مؤسف ، في لبنان نكتشف أن أسوأ ما إكتشفته البشرية هو " الديمقراطية " وخاصة تسويقها وترسيخ مفاهيمها ، طبعاً المشكلة ليست في الديمقراطية كمفهوم يرسخ التنوع والحرية الفردية، انما في شعوب المنطقة غير المؤهلين لممارستها وانتهاج سلوكها ، الديمقراطية في أيدي الاغبياء تشبه إعطاء طفلٍ عود ثقاب وتركه لوحده في المنزل تماماً كما يجري في دول المنطقة المشتعلة ومن ضمنها لبنان المتهالك على كافة الأصعدة .
لبنان الوطن الصغير يحتوي بأحشائه دولاً عديدة وهذا ما يجعله مصاب بعسر الهضم بإستمرار والديمقراطية تشبه إعطاء مريض يعاني من السرطان حبة دواء لوجع الرأس ولزيادة الطين بلة كما يقول المثل تتراكم داخل هذه الدولة دويلات الاحزاب المذهبية والتي تتربع على مقاعد القيادة داخل الدولة بعنوان عريض اسمه " ديمقراطة توافقية " وبدلاً من تعزيز خزينة الدولة بالايرادات يتم تعزيز جيبة الزعيم المذهبي ليوزع على الحاشية فتصبح الدولة ومؤسساتها منجماً للعائلات الحاكمة ، هذا المشهد لم يتكون دون أسباب فهذه الديمقراطة التوافقية رسختها تلك الدول الراعية والممولة في الكثير من الاحيان لهذا النظام الفاسد عن قصد ونية طيبة لدوام الاستقرار خاصة بعد اتفاق الطائف وانتهاء ذيول الحرب الطائفية .
لم تقدم الديمقراطية للبنان سوى خدمة واحدة انها جعلتنا نتراشق بالنعوت والشتائم واللعنات تحت مسمى " حرية التعبير " واطلقت العنان للصحافة الموجهة ان تتحول لصحف ابتزاز وبرامج إخضاع للاخر .
ومن نافذة الديمقراطية نطل على النظام السياسي الذي يعتمد الانتخابات لايصال الممثلين عنه الى الندوة البرلمانية وتخيلوا معي ان الغالبية العظمى من الاغبياء سيتمكنوا من استخدام اصواتهم لايصال منتج يشبههم ويعرف جيداً كيف يستغل غباءهم تماماً كما حصل سابقا في إحدى الدوائر الانتخابية في شمال لبنان حيث وصل اكبر مهرب بين الحدود السورية اللبنانية الى الندوة البرلمانية لانه زعيم عشيرة كبيرة تعمل لديه في التهريب والاعمال الخارجة عن القانون ، إن قمنا بالتركيز والتمحيص في اسماء النواب فوراً نستنتج كيف وصل كل نائب الى منصبه .
هناك نوعان للديمقراطية ، الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة ، تتطلب الديمقراطية المباشرة لنجاحها قدراً كبيراً من الوعي من جانب الناخبين للتصويت الصائب على أساس معايير المصلحة العامة بعكس الديمقراطية التمثيلية التي يُحال فيها عموماً تقدير المصلحة العامة إلى المُنتَخبين وليس الناخبين .
الديمقراطية نظام قديم جداً قبل ظهور المسيحية والاسلام أنتجها اليونانيون في القرن الرابع قبل الميلاد واليوم تمارسها العديد من الدول وكل دولة تعمل على تطويرها بما يتناسب المجتمعات واحياناً تصطدم الديمقراطية بالهياكل الدينية وخاصة المتطرفة فيتم معالجة الأمر ( بالمال ) في غالب الاحيان وهكذا يتم تأمين استمرارية لهذا النظام الديمقراطي .
حتى مؤسسي الديمقراطية إعترفوا بتخوفهم الشديد من الدهماء والجهلة لأنهم الاغلبية وما زالت هذه الأغلبية متجذرة في مشرقنا .
في العراق مثلاً جاءت الديمقراطية مفاجئةً وفوقية وليست نتاجاً لتجربة مجتمعية اصيلة لكن ما ساهم بالقبول العراقي الواسع بها حينها غالباً من دون فهم مضامينها وافتراضاتها الحقيقية هو شدة الاستبداد و خسائره الفادحة شعبياً واقتصاديا وانسانياً على مدى عقود الحكم البعثي إذ قدمت الديمقراطية على أنها النقيض الأوتوماتيكي للاستبداد ( أعطونا الديمقراطية للنجاة ) واختصرت خطأً بفعل التصويت الانتخابي للجمهور لكن تجربة السنوات التالية على امتداد بضع دورات انتخابية شارك فيها العراقيون دفعت الكثيرين الى إثارة اسئلة الوعي والمعرفة وأهميتها في صناعة تجربة ديمقراطية رصينة لتجاوز الفشل الكبير في تجربة الدولة ما بعد عام ٢٠٠٣ وهكذا تم توصيف ما يجري في العراق بمسمى " لبننة " العراق في إيحاء صارخ للديمقراطية اللبنانية المشوهة .
عموماً ، لا تزال مجتمعاتنا الشرقية بحاجة ماسة للتثقيف والتنوير حول مفهوم المسؤولية الفردية في ممارسة الفرد السياسية والاجتماعية ولا يمكن تجاهل الدورين التربوي والإعلامي في توعية الشعوب وخاصة الدول التي تعتمد الديمقراطية اساساً في نظامها السياسي كما هو الحال في لبنان .
الكاتب : فراس بو حاطوم