(إلى كلّ مَن يعنيه الأمر)
السمسرة اختصاص. مهنة. بيع وشراء. عرض وطلب وأسعار. بورصة. معرفة كيف تحدّد الثمن، كيف تعيّنه بعد درسٍ وتمحيص لأحوال السوق، وكيف تلحّ عليه، ولا تتنازل عنه بسهولة، ثمّ في الوقت المناسب، في اللحظة الحاسمة، تقترح مخرجًا آخر، سعرًا آخر، وأحيانًا تقترح مبادلةً مماثلةً على وجه التقريب، وقد تتقهقر خطوةً إلى الوراء، لتتقدّم خطوتين. وهكذا. إلى أنْ تسدّد الضربة القاضية، فتحصل على الغاية المرجوّة والربح الوفير.
عندما تكون المسألة على هذا الوضوح، عندما تكون على هذا المنوال، وعلى هذا المستوى، تجري تفاصيل السمسرة "برقيّ"، و"وفق الأصول". 
السمسرة هي طريقة. هي مدرسة لتحصيل المعاش والعيش وجني الأموال. والسمسرة ليست نفاقًا، ولا عارًا يندى له جبين، عندما تكون ذات أصول، وعلى رأس السطح. العيب كلّ العيب، والعار كلّ العار، أن ينادي السمسار (البائع والشاري والوسيط) بالمعطيات، بالمقاييس، بالمعايير، بالقيم، بالصدق، بالوفاء للمبادئ، وأن – في الآن نفسه – يكون غشّاشًا، فيخلط القمح بالزؤان، والسمّاق بالنشارة. من مثل أن يبيعكَ سيّارةً مسروقة، أو منزلًا مهدّدًا بالانهيار، أو عقارًا واقعًا تحت رهن، أو سبق بيعه من فريقٍ ثان.
آنذاك تفقد السمسرة معناها الأصليّ المتعارف عليه، والمعترف به، فتصير سرقةً موصوفةً، وأحيانًا تصبح جريمة قتل على المستويين المادّيّ والمعنويّ. وما أدراكَ بهذين المستويين، حيث عندنا من نوعيّتهما "ما يدهش العالم".
والحال هذه، تصبح السمسرة من "نوعٍ آخر"، "محترمة للغاية". كأنْ تسمسر ببيع بلدكَ (الذهب مثلًا، الأراضي مثلًا، النفط والغاز مثلًا، الاستقلال مثلًا، والسيادة على سبيل التذكير فقط لا غير، ولِمَ لا الدستور، وخصوصًا إذا كنتَ أمينًا عليه بحكم القسم والوظيفة). 
كأن أيضًا تسمسر ببيع شرفكَ، أو كرامتكَ، أو جسدكَ، أو روحكَ، أو ضميركَ. من مثل أن تكون طبيبًا، صيدلانيًّا، موظّفًا، معلّمًا، محاميًا، مصرفيًّا، مهندسًا، قاضيًا، نائبًا، وزيرًا، حاكمًا لمصرف، رئيسًا لحزبٍ، لتيّار، رئيسًا لحكومة، رئيسًا لمجلس، ورئيسًا لبلاد. فتكون، في أحوال كهذه، مستعدًا للغشّ، للتنازل، للانبطاح، للركوع، للغدر، للخيانة، للتهريب، للكذب، لتوقيع العقود والعهود والمعاهدات والمواثيق، للنكث بالقسم، لبيع الضمير، للمتاجرة بالشرف. 
يحصل ذلك في العادة لسببٍ من الأسباب "الوجيهة"؛ من مثل أن تكون "نفسكَ دنيّة" و"دكّتكَ رخوة"، أو من مثل أن تكون "موعودًا" بمنصب، برتبة، بكرسيّ، فتقبل بأيّ تنازل، بأيّ ثمن، من أجل ثلاثين مثلًا، وفي الكثير من الأحيان من أجل أقلّ الأقلّ.
في البلاد الشرقيّة عمومًا (ولا يجوز التعميم)، تعوّد الناس لا على دولة القانون والحقّ والعدل، بل على دولة السمسرة، حيث البيع والشراء حلالٌ مئة في المئة، تحت سقف الغشّ والخيانة والذمّيّة والعار والحقارة والدناءة والمهانة والحقارة والوطاوة والبلطجة والإرهاب والترهيب والابتزاز والفراغ والهباء والعدم. 
هذا السقف الواطي جدًا، هو سقفنا (الوطنيّ). لا التباس في ذلك، ولا حاجة إلى شهادة (أو حجّة) من سمسار محلّيّ لبنانيّ أصيل (وما أكثر هؤلاء)، ولا من جامعة السوربون، أو من سمسار فرنسيّ (على أعلى المستويات)، أو إيرانيٍّ، أو سوريّ، أو خليجيّ، أو روسيّ، أو أميركيّ، أو صينيّ.
السمسرة على كرسيّ الرئاسة اللبنانيّة، تجري تحت هذه الشمس الشارقة. 
   والحال هذه، هل ثمّة عيبٌ في أنْ تُسمّى "القضيّة" عهرًا وشرمطةً (بل خيانةً)، إذا كان البائع سمسارًا، والشاري سمسارًا، والوسطاء سماسرةً، والكرسيّ سمسرةً بسمسرة؟!
الكاتب : الصحافي عقل العويط