في صبيحة اليوم ال891 على بدء ثورة الكرامة.
مروعة جريمة أنصار. ما كانت لتقتل باسمة عباس وبناتها منال وتالا وريما صفاوي لولا نظام المحاصصة الطائفي القاتل، ولولا إرتياح القتلة للمربعات الأمنية، فهل باتت "البيئة" المهيمن عليها السلاح المتفلت وتحكم قوى الأمر الواقع توفر الحماية للمجرمين؟ الأكيد أن الجريمة وقعت نتيجة غياب الدولة الملجأ، وترسخ نهج الإمعان في طعن القضاء وغياب المحاسبة وفقدان العدالة!
إن الجريمة المروعة ما كانت لتقع لولا الإمعان في نهجٍ يعتبر النساء مواطنات درجة عاشرة! وهناك من يمعن في فرض سياسة حكم البلد بالبدع والفتاوى، وإلاً كيف يمكن لشيخ إسمه عبدالله علوية أن يفتري على الضحايا ويحملهن سبب جريمة قتلهن؟ وما من جهة رسمية تسأله من منحه هذا الحق؟ وبأي شرع يتحدث عندما يعلن أن "أحد أسباب هذه الجريمة هي التفكك الأسري وفقدان الحنان والعطف والإبتعاد عن الدين والضوابط الشرعية..إنبذوا ما يسمى التحرر والإنفتاح"! ومن خبّره أن المطلقة فقدت إعتبارها ومكانتها ويمكن لألسنة السؤ أن تلوك سمعتها؟ خطير جداً هذا المنحى وهذه السلبطة المحمية ببندقية لا شرعية!
بعد نحو شهر على "إختفاء" الأم وبناتها، لم تتكرم أي جهة رسمية بإعلان موقف، بدءاً من بلدية أنصار إلى محافظة النبطية وقوى الأمن وسائر الأجهزة إلى وزارتي الداخلية والعدل.. والأنكى تمثل في دور النائب العام الإستئنافي في النبطية القاضية غادة أبو علوان، التي كشف الصحافي هادي الأمين أنها إمتنعت طيلة 20 يوماً عن توقيف المشتبه به، حسين فياض الذي تأكد أنهن كنا برفقته قبل الإختفاء؟ وتمسكت القاضية بفرضية أن الأم وبناتها "هربانين" بإرادتهم، وأقفلت التحقيق ولم تطلب التوسع به رغم العثور على الهويات وجوازات السفر في المنزل ما ينفي فرضية الهروب ويؤشر إلى إحتمال وقوع الجريمة!
السلام لأرواح الضحايا ولا بديل عن محاسبة المجرم الموقوف وقد اعترف بالجريمة وأرشد مخابرات الجيش إلى مكان ارتكابها ووجود الجثث، لكن ذلك غير كافٍ، فمثل هذه الجريمة المروعة لا يرتكبها فرد! من جريمة قتل الحريري وما تلاها وتحويل القتلة إلى "قديسين"، إلى جريمة تفجير المرفأ وما رافقها من جرائم أبرزها إزاحة الشهود المحتملين، فإن إختطاف الدولة يهدد بمفاقمة الوضع الأمني، ويحجب الحقيقة ويمنع العدالة! ومع القتال السلمي الضروري لمعاقبة القاتل، وكشف كل ملابسات الجريمة وعدم التلكؤ في حماية مسارات قضائية كالتحقيق العدلي في جريمة تفجير بيروت، لا ينبغي تضييع البوصلة، فلا بديل عن بلورة بديل سياسي لقلب "النفايات السياسية" المتسلطة واستعادة الدولة والدستور وحكم القانون.
2- خطيرة التطورات الإقليمية والدولية من إستهداف الميليشيات الحوثية منشآت مدنية حيوية في السعودية مستخدمة أحدث المسيرات الإيرانية والصواريخ، إلى تطورات الغزو الروسي الإجرامي لأوكرانيا، والإجتماع الخماسي في إسرائيل اليوم الذي سيجمع وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات وامغرب والبحرين، والبداية من جريمة الحوثيين التي تهدد توريدات الطاقة للعالم!
3- إستمرت السنة النار ساعات تشتعل في خزانات "أرامكو" في جدة، وطال القصف منشأة للكهرباء في صامطة وأخرى للماء في الجنوب السعودي. وقد أثار مشهد النيران مخاوف حقيقية على توريدات الطاقة وإمكانية إشتعال أسعار النفط. كل الإدانات العالمية التي صدرت عن عواصم عالمية دون المستوى المطلوب، وهي تكرار لمواقف أدانت جرائم سابقة ارتكبتها ذراع طهران في صنعاء، ولم تمنع المضي في هذا النهج الخطير. الأمر الأكيد أن النظر إلى هذا التصعيد الإجرامي ينبغي ربطه بتطورات مفاوضات فيينا، ونهج ممالأة ملالي طهران وضغوطهم لرفع العقوبات عن الحرس الثوري! إنه رد ناري على مطالبات دول الخليج بأن أي إتفاق نووي لا يكون فعالاً إن لم يؤخذ بالإعتبار السلاح الباليستي ودور طهران في زعزعة إستقرار المنطقة، ومدخل الخطوات الجدية إعادة وضع هذه الميليشيات تحت العقوبات.
تباهى الحوثي بأنه شنّ 16 هجوماً عدائياً، فيما أكد التحالف العربي لدعم الشرعية الحرص على متابعة المشاورات اليمنية المقررة في 29 أذار الجاري، وحذّر من أن مضي طهران بتزويد الحوثيين بالصواريخ البالستية والمسيرات المتطورة لإستهدف منشآت سعودية حيوية، تهدد إستقرار أمن إمدادات الطاقة وخطرها يتجاوز السعودية ليصيب الإقتصاد العالمي الذي يعاني إهتزازات قوية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا!
4- الغزو الروسي لأوكرانيا جريمة كاملة الأوصاف لا يمكن تبريرها، والخطير أنها تتناسل ولا مؤشراً لتوقفها في القريب. قبل هذا الغزو كانت هناك قناعة أن مثل هذه الحروب هي الوصفات للدول المنسية كشرقنا الأدنى الرهيب، لكن كل شيء تبدل، فمبدأ بوتين خطير ونجاحه سيؤدي إلى عالم ينعدم فيه القانون، فتصبح العودة إلى الحرب أداة روتينية لإملاء السياسات! وصدقاً دعونا لا نسكر في زبيبة قمم الأطلسي والإتحاد الأوروبي ومجموعة ال7، ولا بالتقارير العسكرية من لندن وواشنطن عن كبح الغزاة.
البطولة التي يسطرها الأوكران طغت على كلّ ما عداها والخسائر التي يتكبدها جيش الغزو هائلة، وحتى الإعتراف الروسي بمقتل 1351 عسكرياً وجرح نحو 4 آلاف، وهو بالتأكيد دون الأرقام الحقيقية، فادح وخطير.. لكن الحقيقة هي في إستخدام أوكرانيا من جانب واشنطن والناتو لإضعاف الروسيا، والنتيجة الآنية أوكرانية مدمرة وروسيا محاصرة وتتحول إلى سجنٍ كبير! في أزمة الصواريخ الكوبية قال كينيدي إن أميركا تتعرض لخطرٍ وجودي ففُهمت الرسالة واشتغل الهاتف الأحمر.. لكن منذ العام 2008 قالت روسيا مع بدايات اللعب بجورجيا وأوكرانيا أنها تتعرض إلى خطر وجودي فتم التجاهل، ورغم ذلك لا تبرير لجرائم الغزاة، التي كان يمكن تلافيها، لو تم إعتماد وصية كيسنجر في العام 2014 التي قالت إن المصلحة تقتضي تنمية أوكرانيا والحفاظ على حيادها فتستقر أوروبا والأطلسي وترتاح الروسيا.
ميدانياً تقول موسكو أنها تكاد تنجز المرحلة الأولى من غزوها بالسيطرة على 93% من لوغانسك ونحو 60% من دونتيسك وتقترب من السيطرة على كل الدون، اي الشرق والجنوب، وتضيف، بعد الإعلان أنها استقبلت 420 ألف لاجيء، أنها تدرس خيارين أحدهما يتعلق بالجمهوريتين الإنفصاليتين ( كل منطقة الدون) والثاني جميع أراضي أوكرانيا ولا تستبعد إقتحام المدن المحاصرة! ومرة أخرى لا قيمة للتحليل، المدن تفرغ من أهلها وتحاكي الموصل وحلب واقتلاع السكان إلى منافي اللجؤ مستمر ومخاطر نوعية تحيط بالمستقبل!
لا تستحق أوكرانيا هذا المصير ولا يستحق الشعب الروسي ستاراً حديدياً جديداً! ومن غير المقبول أن واشنطن الذاهبة إلى هزيمة إستراتيجية في الإتفاق النووي وتخرج بانطباع الدولة الضعيفة والخانعة أمام غلو ملالي طهران، وجدت الفرصة في أوكرانيا لتجميل الصورة!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب: الصحافي حنا صالح