جوليا عودة التي "قُتِلت" قبل يومين ثلاثة، بمفعولٍ رجعيّ، في تفجير المرفأ الشهيد، وفي اغتيال العاصمة القتيلة، لن تكون الضحيّة الأخيرة. أجزم أنّها لن تكون الضحيّة الأخيرة.
كُثُرٌ "سيُقتَلون" بهذه الطريقة، وبغيرها (غيرُها كثيرٌ كثيرٌ في هذا العهد، وتحت بغاء الأمر الواقع وعربدته). اللائحة طويلةٌ للغاية، وأسماؤها قيد الكتمان والتحفّظ. خذوا منّي هذا الكلام باعتباره حقيقةً دامغةً ومطلقة. هذه الحقيقة حقيقيّةٌ وواقعيّةٌ. فهي ليست حقيقةً افتراضيّةً، وليست نبوءةً كاذبة، وليست تخريصًا، ولا هي من باب الهلوسة. كلّ يوم، خلال الأشهر الفائتة، وعلى مدى سنتين ونصف السنة (منذ الرابع من آب 2019)، كان ثمّة جوليا عودة تحت أنقاض حياتنا الخربة. كلّ يوم، على مدى الأيّام (والسنوات) المقبلة، سيكون ثمّة جوليا عودة جديدة (ما دام الأمر الواقع مستمرًّا، والاحتلال مستمرًّا)، تضاف إلى لائحة المقتولات والمقتولين غيلةً وغدرًا في بيروت لبنان. وفي كلّ لبنان.
لن أدخل في تفاصيل "مقتل" جوليا عودة. التفاصيل لم تعد مهمّة، لأنّها الخبز اليوميّ الذليل والمتعارَف عليه للناس، في غياب خبز الكرامة. يمكنني أنْ أقول: كلّنا جوليا عودة. باستثناء القَتَلَة، والمشرفين على القتل، والمنفّذينه، والمشتركين فيه، والمستفيدين منه، والقابلين به، والساكتين عنه.
كلّنا جوليا عودة. لأنّنا قتلى بالتقسيط. بالحشرجات اليوميّة. وكلّنا مشاريع قتلى. أمّا الأدهى، فهو أنّ القتل يحدث على مرأى منّا. و"بإرادتنا".
في أحوالٍ كهذه، وفي بلاد الكرامات المنتفضة، القتلى (الموتى الفعليّون) يقومون من المقابر الجماعيّة والفرديّة، على شكل معجزة، تعبيرًا عن الرفض. عن الثورة. ورغبةً في وضع حدٍّ للقتل المستديم. إذا كان هؤلاء القتلى الأحرار لا يطيقون، ولا يقبلون استمرار مثل هذا الضيم، فكيف يطيقه، وكيف يقبل به القتلى (الأحرار؟!) الافتراضيّون. أقصد: أنا وأنتم؟
عجبًا. وتبًّا لنا. وسحقًا.
هل يعني هذا، أنّنا لا نستحقّ الحياة بكرامة، ولا الحياة مطلقًا؟
هل يعني هذا، أنّنا راضون بهذه الحياة المهروسة هرسًا تحت أحذية (وكراسي) هؤلاء المالكين سعيدًا؟
هل يعني هذا، أنّنا سنكتفي بإحصاء كم لا يزال على اللائحة من مثيلات وأمثال جوليا عودة؟
هل يعني هذا، أنّ دورنا محصورٌ بدفن القتلى والموتى؟
وفي الانتخابات المقبلة (إذا جرت)، هل سنكون محض شهود زور، كما نحن الآن راضون بكوننا شهود زور لهذه المقتلة اليوميّة المتواصلة، التي لن تصل إلى خواتيمها قريبًا، ولا بعيدًا، ولا بعيدًا جدًّا، في ضوء الخطط وموازين القوى الحاليّة؟
تفه علينا (منّي وجرًّا).
مَن يكون مثلنا، لا يستحقّ الحياة الكريمة. بل يستحقّ أنْ يكون مدعوسًا تحت أقدام هؤلاء الذين يحتلّون حياتنا، وبلادنا، وكراسينا، ومناصبنا. وهؤلاء في الغالب الأعمّ، سيجدّدون لأنفسهم، بل سنجدّد (موضوعيًّا) لهم، إذا بقينا على ما نحن عليه، وعلى ما هو عليه هذا المشهد الانتخابيّ، الذي إنْ أومأ إلى شيء، أو دلّ على شيء، فعلى هزيمةٍ نكراء، سنشهدها بأمّ الأعين والعقول والأرقام والحسابات والاستطلاعات.
وحِّدوا المرشّحين (الاعتراضيّين التغييريّين) واللوائح (الاعتراضيّة التغييريّة)، كي لا نكون جميعنا مشاريع جوليا عودة.
الكاتب: الصحافي عقل العويط