في صبيحة اليوم ال898 على بدء ثورة الكرامة.

قبل يومين من إقفال باب تسجيل اللوائح الإنتخابية، وعلى مسافة 43 يوماً من الإستحقاق الإنتخابي بدأت تتوضح معالم المواجهات الإنتخابية وجانباً من عناوينها!

عناوين الثنائي المذهبي لافتة، ومثلها عناوين التيار العوني، بوصف الفريقين يشكلان العمود الفقري للسلطة التي يقودها حزب الله وواجهتها رئاسة الجمهورية فيما تتولى الرئاسة الثانية قوننة الفساد بتشريعه! أطراف نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي هؤلاء، يتحملون المسؤولية عن الوزر الأكبر من الإنهيار والفساد وارتهان البلد والنتائج الوخيمة على اللبنانيين لإختطاف الدولة بالسلاح، لكن مسؤولية الآخرين لا تقل أبداً وإن كانت قدراتهم آنياً على القرار دون قدرة الآخرين، فكلهم شركاء في مأساة الشعب اللبناني!

دعونا نتخيل المشهد! يحدثون الناس عن "باقين نحمي ونبني" والبلد متيقن أنهم شركاء في صفقة التخلي عن الثروة النفطية والغازية للعدو الصهيوني من لحظة تخلوا عن الخط 29 لأنهم بذلك تخلوا عن مساحة من الثروة أكبر منمساحة الجنوب! يطل نبيه بري يطلق الوعود ويدعوا الناخبين إلى "الوثوق بالتأسيس لإنجاز الحلول لهذه الأزمة التي جزء كبير منها مفبرك في الخارج"!

لم يعرف الناس رئيساً لمجلس النواب من 30 سنة إلاّ بري، فكيف نُهب البلد؟ وما كان دوره؟ وكيف سرقت الودائع؟ ومن ضرب بري على يده فوقع "إتفاق الإطار" للترسيم مع إسرائيل متخلياً عن 1450 كلم مربع من المنطقة الإقتصادية الخالصة؟ وهل بعد إنتشار الفقر والعوز يمكن خداع الناس بكلام معسول؟ثم يتوج موقفه الحماسي بأن المرشحين إلى جانبه علي حسن خليل وغازي زعيتر وكلاهما فار من وجه العدالة، ومدعى عليه بالجناية في جريمة المرفأ، ووقوع إبادة جماعية وترميد بيروت! وفوق ذلك يخضع الخليل إلى عقوبات أميركية إستناداً إلى ملف فسادٍ كان ينبغي أن يكون خلف القضبان..وهل توزيع التهم ضد قوى التغيير، يغطي الزعم أنه مع بري وخليل وزعيتر والبقية، ستتأمن الحقوق وتختفي الطوابير على البنزين والأفران والصيدليات، وأنه من لحظة تعويم من أسقطت ثورة تشرين شرعيتهم لن يموت بعدها إبن الجنوب على باب المستشفى، والعلاج سيتوفر لمرضى السرطان ولن يموت السجناء لأن لم يتأمن علاجهم!

لا يملك بري، كما سواه من منظومة التسلط، جرأة الإعتراف ولو بجزءٍ من المسؤولية عن إذلال اللبنانيين.. ومثله باسيل وزير الطاقة الذي أحكم العتمة على اللبنانيين بعد تبديد نحو 50 مليار دولار! باسيل صهر عهد المأساة، المعاقب دولياً بالفساد وإفساد الحياة السياسية وتمكين الدويلة من إحكام الهيمنة، يترشح مجدداً ومعه من وزراء العتمة ندى البستاني وسيزار أبي خليل! والتتويج بالمحكوم بالعمالة، فيرمي القفاز بوجه الناس ويجدد رهن قرار البلد لحزب الله للمساعدة في إعادة تعويم تياره ويتحالف مع بري وقد وصفه بالبلطجي!

هذه البلطجة الإنتخابية الفاقعة، هي مع بعض التفاوت، حال الآخرين في نظام المحاصصة، الذين ولوعلى عين الناس، لم يبدلوا حتى بعض الوجوه..بل يسعون لفرض نواب- خبراء في البصم على قوانين تشرع الفساد! ما يضع كل المقترعين أمام السؤال الجوهري أي دولة نريد؟ وكيف لدولة المواطنة أن تنهض مع تسلط الدويلة؟ وكيف يمكن إستعادة قيم الجمهورية ببقاء تسلط "النفايات السياسية" على البلاد والعباد؟

نصرالله وبري وقاسم ورعد وغيرهم قالوا هذه إنتخابات مفصلية، وقال حزب الله مراراً أن النتائج أياً كانت لن تغير في الواقع؟ ما يعني أنه رغم كل الدعاية الممجوجة فإن هذا الفريق لا يضمن ما يروج أنه سيكتسح، وأوعى من الطريق؟ أبداً ليست المسألة بهذه البساطة، فالإمكانية متوفرة نسبيا وفي الكثير من الدوائر لخوض معركة التصويت العقابي بوجه من أذل اللبنانيين! وفي هذه اللحظة لكل صوت قيمته ولا ينبغي تضييع البوصلة كي تنجح مهمة جعل العملية الإنتخابية محطة على طريق التغيير الحقيقي.

أياً كانت الملاحظات وهي كثيرة، وأياً كانت المآخذ على بعض الأسماء وهي حقيقية وموجودة، ومن المؤكد أن هِنات حدثت وكان يمكن الأفضل. بين المنخرطين في النقاش الدائر على مساحة الوطن، هناك وجع مفهوم عبّر عنه أكثر من حريص، وينبغي أن يُعمل على سدِّ بعض الثغرات من خلال ضوابط معينة، كما أن هناك من يحرض خصوصاً ممن يجمعهم فقدان الفرصة أو حتى غايات دنيئة، فلا يجوز التهاون مع تحريضهم لأنه يخدم قوى التسلط والفساد. لكن الأكيد أن قوى التغيير التشرينية نجحت، بعد نحتٍ بالصخر، في بلورة مجموعة من اللوائح التي من شأنها أن تلبي الكثير من تطلعات الناخبين، لو أُجيد خوض المعركة وتوضيح العناوين الحقيقية لها، والعملية ما زالت مستمرة لبلورة لوائح أخرى.

 

من البقاع الغربي وراشيا، إلى دائرتي الجنوب الثانية ( صور الزهراني)، والثالثة ( النبطية، مرجعيون – حاصبيا وبنت جبيل)، إلى الأقضية الأربعة في الشمال وعكار، تم إنجاز 5 لوائح، ميزتها أنها موحدة لقوى التغير.. وعلى الطريق يمكن إنجاز لائحتين في بيروت وربما تنجح الجهود في الشوف وعالية وغيرها. كل هذه اللوائح تخوض مواجهة إستعادة الدولة المخطوفة، واستعادة الدستور، والسعي لبلورة البديل السياسي، وعنوانها الحقيقة والعدالة من خلال قضاء مستقل، لخوض محاسبة شفافة بوجه من أذل اللبنانيين، من كارتل سياسي مصرفي تحميه بندقية لا شرعية، إلى إحتكارات ما كانت لتتسلط لولا أنها تحوز الحماية الكبرى..

إنها محطة هامة في بدء معركة إستعادة الدولة، وصناع "17 تشرين" بين خيارين: الفوز أو الفوز! ومع الإنحياز الكامل لمشروع الدولة ضد الدويلة، فلا يبقى لبنان ورقة في خدمة مصالح الآخرين وأجنداتهم، ولا يبقى لبنان رصيف هجرة للشباب والكفاءات، بعدما تمكنت قوى التسلط من إدراج مواطنينا على قائمة شعوب "قوارب الموت"!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن

الكاتب: الصحافي حنا صالح