تنبيه لا بدّ منه لمَن يهمّه الأمر: هذا المقال شديد القسوة، لكنّه ليس تهبيطًا للحيطان، وليس مُحبِطًا، ولا إحباطيًّا، ولا تحبيطيًّا، ولا يائسًا، ولا تيئيسيًّا. إنّه إنذارٌ استفزازيٌّ تحريضيٌّ، لتدارك الأمور قبل فوات الأوان.
أمّا وقد انقضت مهلة تسجيل اللوائح في وزارة الداخليّة عند منتصف الليل الفائت، بحيث يمكن تبيّن المشهد الانتخابيّ بعناصره ومعطياته الكاملة الوضوح، فليس ثمّة عجبٌ إذا وقف فينا أحد العقلاء، داعيًا من الآن إلى وجوب تقديم التعزية المسبقة بالنتائج الافتراضيّة المترتّبة على الانتخابات النيابيّة (طبعًا إذا جرت)، التي لن تكون لصالح قوى التغيير، في ضوء "زحمة" اللوائح الاعتراضيّة (التغييريّة والثوريّة والاستقلاليّة والمستقلّة والسياديّة)، وتعدّدها المَرَضيّ، وتضاربها المجّانيّ السخيف والعقيم في الدوائر كافّةً.
لا يجوز التعميم. وحاشا أنْ أكون أعمّم. حاشا وكلّا. وألف حاشا وكلّا. لكنّ هذا "الارتكاب"، إنْ دلّ على شيءٍ في العمل الوطنيّ والسياسيّ والانتخابيّ، فعلى قصر النظر والأنانيّة والانتفاخ والهلوسة والجنون والمرض والولدنة والطفيليّة والتطفّل والهوبرة والسفسطة والعنطزة والادّعاء والغطرسة وعدم الفهم وانعدام الأخلاق وعماء القلب والعقل، معًا وفي آنٍ واحد.
وإذا كان مسموحًا ارتكاب الأخطاء في الأيّام (والانتخابات) العاديّة، فمن غير المسموح على الإطلاق التلاعب بمصير وطنٍ بكامله، بجعله لقمة – انتخابيّة – سائغة في فم الوحش السياسيّ الذي يتسلبط على حاضرنا، ويريد احتلال مستقبلنا. علمًا أنّ اللحظة الراهنة هي لحظة موتٍ كيانيٍّ ووجوديٍّ للبنان أو لحظة استعادةٍ لمصيره السيّد الحرّ المستقلّ.
هؤلاء الاعتراضيّون، الاستقلاليّون، المستقلّون، السياديّون، التغييريّون، والثوريّون، الذين بلغت بهم الوقاحات السياسيّة اللّاأخلاقيّة مبلغها اللّامعقول، فذهبوا من غير تورّعٍ ولا خجل، إلى تسجيل هذا الكمّ الهائل من اللوائح - المتقاتلة في ما بينها – يمكنني، بدون أنْ أشعر بأيّ أزمةٍ من أزمات تبكيت الضمير، أنْ أتّهم - غالبيّتهم العظمى - بالخيانة العظمى.
أسمعُ صدى سؤالٍ إنكاريٍّ استفهاميٍّ يقول لي: أنحن نُتَّهَم بالخيانة العظمى، يا عقل، يا ابن داود العويط؟
ولن أتردّد في ردّ الجواب، والصاع صاعَين: نعم، أنتم مُتَّهَمون بالخيانة العظمى، إلى أنْ يثبت العكس، فأتراجع عن اتّهامي لكم، وأدور بين الناس، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أعالي البقاع والجبال إلى أسافل المدن وشواطئ البحار، معتذرًا منكم، وطالبًا السماح والعفو والمغفرة. علمًا أنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة، وخصوصًا قبل فوات الأوان.
فلينبرِ من بينكم مَن يتجاسر، مَن يجرؤ، فيقول لي وللناس إنّ التهمة العظمى المذكورة أعلاه لا تنطبق عليه. إنّي أتحدّاكم واحدًا واحدًا، أيّها الاعتراضيّون، الاستقلاليّون، المستقلّون، السياديّون، التغييريّون، والثوريّون، الذين كنتم تتفاوضون حول إمكانات تأليف لوائح مشتركة وموحّدة، فمَن كان منكم بلا خيانةٍ عظمى فليرجمْني بحجر.
أعلمُ علمَ اليقين أنّ ثمّة بينكم مَن لا يُرشَق بوردةٍ، فكيف باتّهام. لكنّي أعلمُ علمَ اليقين أيضًا أنّ الذهاب إلى يوم الانتخاب بهذه الشرذمة الطويلة العريضة من اللوائح الخنفشاريّة (في الغالب) هو انتحارٌ سياسيّ، بل هو خيانةٌ عظمى.
لقد ذاب الثلج وبان المرج. ولم يعد في مقدور أحدٍ أنْ يختبئ وراء إصبع، مهما كانت هذه الإصبع غليظةً وعظيمة.
لكنّ تصحيح هذا الخطأ الاستراتيجيّ التاريخيّ قبل الاستحقاق الانتخابيّ – ولو تصحيحًا جزئيًّا – لا يزال ممكنًا. بل هو أكيد، وعلى الشكل الآتي: فلينسحب بعضكم (بعض المرشّحين واللوائح) - عملانيًّا وواقعيًّا وموضوعيًّا وافتراضيًّا - لبعضكم الآخر، هنا وهناك وهنالك، وفي كلّ مكان، وحيث تدعو الحاجة، فلا تبقى إلّا لوائح المواجهة، وذلك من أجل دحر الطاغية والطغيان.
آنذاك، أسحب اتّهامي لكم بالخيانة العظمى. ولا بدّ أنّكم – في هذه الحال فقط – ستغضّون عنّي، فستكونون – والحال هذه - أهل عفوٍ، مسامحين وغافرين. والسلام.
الكاتب: الصحافي عقل العويط