في صبيحة اليوم ال912 و913 على بدء ثورة الكرامة.
"بلا لعب يا ولاد"!
يدخل الزائر الكبير والوفد المرافق مستشفى المجانين، إلى مكتب المدير ليتفقد "الإنجازات" وفجأة يصبح الزائر والوفد المرافق أسرى مستقبليهم! ليتبين في السياق أن المقيمين سيطروا على المستشفى وفرضوا إرادتهم!
تخيل الصورة المبدع يعقوب الشدراوي ورسم المنحى الذي يتم أخذ البلد إليه، وحذّر مبكراً من المصير الذي يدفع إليه لبنان. إنها مرحلة بدء بلورة تحالف جهنمي جمع المافيا والميليشيا إثر قانون العفو عن جرائم الحرب وإنتقال زعماء الميليشيات من المتاريس إلى مقاعد الحكم، باستناد كامل على بندقية جيش النظام السوري المحتل. دبّج غسان تويني إفتتاحية "النهار" يوم ذاك مستلهما الشدراوي، مطلقاً صرخة تحذير حيال ما ينتظر البلد، ومشدداً على الرؤية الثاقبة التي رسمها يعقوب الشدراوي حيال المخاطر المتأتية عن تحكم زمر الفساد بالبلد، بعدما أُلغي بالقانون كل إمكانية للمساءلة والمحاسبة، ما يعني بروز الإستبداد والتعسف والتحكم من خلال قوانين فاسدة:
الحصانات، الإفلات من العقاب، وحلول الفتاوى والأعراف وابتداع المحاكم الخاصة، ما يتيح مثلاً حماية الفارين من وجه العدالة وإعادة ترشيحهم للنيابة رغم الإدعاء عليهم بجناية التسبب بتفجير المرفأ وتدمير العاصمة، وهل هناك في الدنيا متهم بالتسبب بجريمة إبادة جماعية يترشح للنيابة وهو مطلوب من القضاء؟ إلى ما أقدم عليه الآن وزير المال نيابة عن نبيه بري في حجز مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية التي أجمع عليها مجلس القضاء الأعلى وهدفت إلى إعادة هيئة محكمة التمييز إلى الحياة لتسيير المرفق القضائي!
"بلا لعب يا ولاد" نبهت من "فاتك متسلطٍ جديد يمكن أن يمارس كل أشكال السلبطة تحركه أجندة خارجية، فتطحن لعبة "ماريونات" الناس والبلد! وهذا ما أدى إليه نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي في مرحلة أولى قاده ضابط من جيش الإحتلال مقيم في عنجر، وفي مرحلة ثانية مستمرة حزب الله!
ما تخيله الشدراوي ونبه منه التويني كان القليل من الكثير الذي تعرض له لبنان وأهله من إنتهاكات. لم يتخيل إنسان هذا الإختطاف للدولة بالفساد واسلاح والطائفية، وكل المنهبة والسطو على الودائع وإقتلاع البلد..، ولم يتصور كائن من كان، إستسلام البنى السياسية والإجتماعية(أحزاب ونقابات) لهذا "الفاتك المتسلط" الذي خبّرنا عنه الرحابنة. الكل استسلموا وتم إستتباعهم بأبخس الأثمان، وعندما إنفجرت "إنتفاضة الإستقلال" عام 2005 على دم رفيق الحريري، نموذج ذلك النظام المقيت وضحيته، خاف من شعبها من تسلط على قرارها من قوى طائفية وفساد، فقفزوا إلى الإتفاق الرباعي وكان تجديد نظام المحاصصة الغنائمي، وتجديد عمر الدولة – المزرعة ونحر آمال الناس بقيام دولة طبيعية حديثة.
وحدها "17 تشرين" فضحت الصورة، وعرّت الظالمين الفاسدين القتلة، وأسقطت شرعيتهم وأخرجتهم من الفضاء العام، وأدانتهم من كبيرهم إلى صغيرهم، وقالت "كلن يعني كلن" مسؤول عن الذل الذي ضرب مجتمعنا وحياة شعبنا والإمعان في إنتهاك كرامات مواطنينا! ووحدها "17 تشرين" استعصت ولم ترتضي دور المطية للمتذاكين وقالت بالفم الملآن: سنستعيد الدولة المخطوفة وقراراها ونقيم السلطة الجديدة المستقلة كي يستعيد المواطن حقوقه والبلد موقعه وتصان الحريات ويُحمى الإستقلال. وقالت إن السبيل إلى ذلك يتطلب بناء ميزان قوى بديل يواجه ميزان قوى يقف على رأسه حزب الله. وقالت إن ألإنتخابات النيابية محطة هامة ينبغي التعاطي معها من ضمن هذا السياق، وليست نهاية الكون والمطاف الأخير ولم تقل "17 تشرين" أنها عشية الإنتصار بالضربة القاضية، ورفضت طروحات المتذاكين كما المشبوهين!
المتذاكون، كثير منهم عن نية حسنة، ربما خافوا المركب الخشن، فراحوا يخبرون الأخبار من أن الإنتخابات ستكرس شرعية الفاسقين الفاجرين، وأنها ليست معركتنا لأنها ستمنحهم الشرعية! طيب متى معركتنا وكيف نهيء ظروفها؟ هم بذلك فوتوا بعض الحقائق ومنها أن رئاسة الجمهورية والمجلس بيد حزب الله، ومنذ العام 2011 شكل حزب الله كل الحكومات وتحكم بقراراتها، وأن التسوية الرئاسية ضاعفت تسلطه ومنحته منذ العام 2018 أكثرية نيابية، إمتدحها قاسم سليماني الذي رأى فيها تأكيد لسيطرة طهران وهيمنتها على البلد، فمكن كل ذلك حزب الله من وقف التحقيق في جريمة إبادة جماعية كجريمة تفجير بيروت.. وفاتهم إستنفار الحزب من أجل تجديد أغلبيته وبلغت "تقديماته" المالية باعترافه 215 ألف أسرة و93 الف شخص بينهم الزيجات المتعسرة ( تقرير جمعية ديموقراطية الإنتخابات الذي لم تكذبه أي جهة). هذه الجهات هي من جو الثورة وهناك أولوية لإستعادتها وعلى الأعم لن تقاطع وستقترع للوائح الثورة.
أما المواقف المشبوهة فلبس أصحابها لبوس الحرص، وتوجهوا باللوم للقوى التشرينية التي رفضت أن تكون مطية، لقوى إقطاع وحزبيات طائفية كانت في موقع الشريك الكامل، في سرير حكومي مع الثنائي المذهبي وكل أهل الفساد..لهؤلاء كفى لبوس النصح وأنتم في موقع التبعية والعجز عن مغادرة الإستزلام!
بالأمس تعرضت لائحة التغيير في صور الزهراني وحشد من أنصارها لبلطجة مفضوحة. إعتداءات سافرة ارتكبتها مجموعات قمع تابعة ل "أمل"، وبالتحديد لنبيه بري رئيس لائحة الثنائي المذهبي في الدائرة عينها. جرى الإعتداء على مرآى القوى الشرعية من جيش وقوى أمن ما يرتب المسؤولية على الجهات الرسمية المسؤولة عن أمن الناس وأمن العملية الإنتخابية! ولا يمكن لوزارتي الداخلية والدفاع التنكر لذلك ولا الأمن الداخلي ولا الجيش ولا هيئة الإشراف على الإنتخابات. بالسلبطة لن تجددوا شرعيتكم والإعتداءات التي تبرأتم منها شاهدها لبنان، وإن دلت على شيء فهو على ضعفكم وهزالكم وإنكشافكم أمام الناس.. والأكيد أنه لولا ممارسات العنف التي أطلقت ضد الثائرين في ساحة العلم وساحات النبطية وكفرمان وسواها، بعد الإستهدافات في وسط بيروت وغير منطقة، لكان من تم دفعهم لممارسة التعديات في الصرفند بالأمس في موقعهم الطبيعي، موقع من يطالب بري وعائلته برد الثروات المنهوبة والكف عن سياسة مصادرة الحقيقة والعدالة، ويحمل حزب الله شريك بري كل المسؤولية عما آل إليه الوضع في لبنان.
اللبنانيون يريدون حقوقهم وليس رشوة لتزويج المتعسرين! يريدون الدولة الحديثة الطبيعية التي تؤمن الحقوق وليس كراتين إعاشة في زمن الإنتخابات. ولأنهم يريدون حقوقهم، وليس رشوة من هنا وهناك من متسلطين ارتهنوا البلد بعد نهبه، سيقترعون لقوى التغيير، للوائح قوى تشرين، وهم تجاوزوا منذ "17 تشرين" عمى الألوان!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب: الصحافي حنا صالح