بالعقل "يُستولى" على العقول، وليس بغسل أدمغة العقول. وليس بالترهيب. وليس بالتخويف. وليس بحجب العيون والأفئدة. وليس بكبت الرغبات والطموحات والأحلام. وليس أيضًا بالزجر، والمنع، والتهديد، والخطف، والتعدّي، والضرب، والقمع، وإنزال القصاص. 

وليس طبعًا بالقتل، أو التهديد بالقتل.

بالعقل "يُستولى" على العقول. لأنّ الهزيمة، كلّ هزيمة، ولأنّ الفوز، كلّ فوز، يجب أنْ يكونا بالعقل. فقط بالعقل. وليس بالغريزة. وليس بالقطعانيّة. وليس بالعصبيّة. وليس بالاحتراب. وليس بالمال. وليس بالمذهبيّة. وليس بالطائفيّة. وطبعًا ليس بإفتاءٍ ذكوريٍّ – بطريركيٍّ من هنا، أو من هناك. وخصوصًا ليس بالدين. ولا سيّما – وأيضًا وخصوصًا - ليس بـ(تأويل) الله. شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى.

بالعقل "يُستولى". وليس بغيره. ولا حتّى بالقلب. إلّا إذا كان القلبُ ذروةَ العقل. وآنذاك يصير هو عقل العقل. ويصير لبَّهُ. بيتَ رحمِهِ. أحشاءَه. وما أكرمَ أنْ يُسمّى العقل حينذاك: قلب القلب.

مَن يخوِّف مرشّحًا، مرشّحةً، أو لائحةً، أو فردًا، أو مجموعةً (خارجةً على فكرٍ ديكتاتوريٍّ حديديّ عصابيٍّ أصمّ)، ومَن يهدّد (بالويل والثبور) فكرًا حرًّا، ومتمرّدًا، ومتمايزًا (عن أبوّةٍ أو عائلةٍ أو حزبٍ أو حركةٍ أو تيّار)، ومَن يعتدي على نشاطٍ تنافسيٍّ ديموقراطيٍّ يؤمن بالتنوّع والاختلاف، ومَن يقطع الطريق على ناشطيه (بالقوّة العارية المزلّطة) يكون جبانًا، يكون خائفًا، وطبعًا يكون ديكتاتوريًّا. 

ويكون أيضًا قاتلًا. 

بالعقل "يُستولى" على انتخابات لبنان وليس بضدّه. 

كلُّ استيلاءٍ على انتخابات لبنان بسلطان الاستدعاء (وما أدراكم ما هو الاستدعاء، وإنْ إلى مائدة إفطار) بسلطان الوعود الخلّبيّة الخلّابة، بسلطان التأجيج، بسلطان المقايضة، بسلطان المساومة، بسلطان البيع والشراء، بسلطان الرشوة، بسلطان السلاح غير الشرعيّ، بسلطان الذمّيّة الدينيّة والسياسيّة والوطنيّة والأخلاقيّة، بسلطان التزوير، بسلطان التخريب، بسلطان الزعرنة، بسلطان البلطجة، بسلطان الكذب، بسلطان الوعد بتأمين الكهرباء، بسلطان الحاجة إلى الرغيف والدواء والكساء والمستشفى (والكلسون)، بسلطان حماية (المسيحيّين)، هو امتهانٌ لكرامة العقل، ومعسٌ لهذا العقل بسلطان الأقدام والصبابيط والأختام (غير) المشروعة والشرعيّة.

بالعقل "يُستولى" على نتائج الانتخابات، إذا أُريد لهذه النتائج أنْ تُحدث فرقًا تاريخيًّا. والعقل هو في المتناول، لكنّه فقط يحتاج إلى استخدامٍ، وإلى تزييت.

أكرّر: بالعقل "يُستولى" على نتائج الانتخابات، وليس بالامتناع عن التصويت. وليس بالورقة البيضاء (إيّاكم والورقة البيضاء).

أتوقّف عند هذه النقطة الخطيرة جدًّا، لأخاطب (بالعقل) القوّة الانتخابيّة الضاربة (نحو من أربعين في المئة من مجموع الناخبين) التي لم تُستخدَم حتّى الآن في تاريخ الانتخابات اللبنانيّة، والتي يتألّف منها جمهور المتردّدين والممتنعين عن التصويت والقائلين بخيار الورقة البيضاء. هذا الجمهور هو معتكفٌ ومستنكفٌ على العموم، لأنّه محبَطٌ، ويائس، بسبب خطأٍ عقليٍّ (بدائيٍّ) في الحسابات الاستراتيجيّة، مفاده أنّ من المستحيل إحداث تغيير جذريّ في خريطة النتائج.

هذا غلطٌ فادحٌ للغاية، لأنّه يحمّل العقل ما ليس في طبعه وطبيعته.  

أعطوا خصوم "اتّفاق مار مخايل"، والمتمرّدين على تحالف السلطة والعهد والأكثرية الحاكمة (على رغم تشرذمهم)، أعطوهم عشرة في المئة - عشرة في المئة فقط - من أصوات المتردّدين والممتنعين عن التصويت والقائلين بخيار الورقة البيضاء، أكفل لكم تحقيق أعجوبة انتخابيّة.

فقط عشرة في المئة من أصوات المتردّدين والممتنعين عن التصويت والقائلين بخيار الورقة البيضاء. بل ربّما خمسة فقط.

الكاتب: الصحافي عقل العويط