عشيّة الدورة الثانية (والأخيرة) من الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة التي سيتقرّر فيها مصير فرنسا – والكثير الكثير من مصير أوروبا (والعالم و... لبنان) -، أغتنم هذه اللحظة المهيبة لأكتب إليكم باختصارٍ شديدٍ للغاية، لكنْ بلغةٍ تنحاز انحيازًا مطلقًا إلى فروسيّة العقل ونبله وكرامته، لا إلى لغةٍ تؤجّج العصبيّات والانفعالات والعواطف والمشاعر والغرائز القياميّة، داعيًا إيّاكم (ونفسي) إلى الاحتكام إلى ما يترتّب على العقل الهادئ الرصين البصير من خياراتٍ عقلانيّةٍ واقعيّةٍ وبراغماتيّة، لا تتحمّل التردّد ولا الحيرة ولا الالتباس ولا التفلسف ولا الشعبويّة من أيّ نوعٍ واتّجاه.

سمّوا ما أدعوكم إليه، نداءَ الخطر، الذي يستشعر ما يمكن أنْ ينطوي عليه خيار الانزلاق إلى ما لا تُحمَد عقباه، وما لا يمكن الرجوع عنه.

لبنان في خطر، لأسبابٍ وجوديّةٍ وكيانيّةٍ ومصيريّةٍ تتعلّق بدولته، بدستوره، بمكوّناته المجتمعيّة، وبالتعقيدات الجيوسياسيّة المتراكبة والقابضة على حدوده شمالًا وشرقًا وجنوبًا (وما أدراكم ما الشمال وما الشرق وما الجنوب!).

لكنّ لبنان في خطر أيضًا، لأنّ فرنسا الجمهوريّة الخامسة في خطر، مبادئها، قيمها، معاييرها، أخلاقيّاتها، فلسفاتها، وحريّتها، وثقافة الحرّيّة فيها، ولأنّ خياراتها السياسيّة والانتخابيّة في خطر.

إذا كان كثرٌ من اللبنانيّين يخطئون الرهان والمعادلة في ما يتعلّق بالأسباب الوجوديّة والكيانيّة والمصيريّة المتعلّقة بالدولة اللبنانيّة مطلقًا، فإيّاكم أيّها اللبنانيّون، وخصوصًا منكم الذين تحملون الجنسيّة الفرنسيّة، أنْ تخطئوا الرهان والمعادلة، فتساهموا في تعميق هذا الخطر (الوجوديّ) الذي يتهدّد الشقّ المتعلّق بلبنان - فرنسا.

إيّاكم أنْ تجيِّروا أصواتكم لماري لوبن. لأنّكم آنذاك تكونون تصوّتون للتطرّف الراعب والأرعن الذي يتعامى عن رؤية ومعاينة كلّ الحقائق الفرنسيّة (والأوروبيّة والعالميّة و... اللبنانيّة) الذاتيّة والموضوعيّة، فلا يرى إلّا التطرّف النرسيسيّ في المرآة.

شخصيًّا، قد لا يعنيني إيمانويل ماكرون في شيء. لكنّه خيار العقل الواقعيّ البراغماتيّ الموضوعيّ بامتياز لفرنسا، وللبنان خصوصًا.

ليس لي أنْ أُملي على أحدٍ خياراته. إنّما ألفت إلى الخطر الذي استشعره استشعارًا داهمًا لاهثًا (على الأبواب).

لبنان في خطرٍ أيضًا، لأنّ فرنسا الحرّيّات والديموقراطيّات والقيم هي أيضًا التي في خطر.

انتخاب ماري لوبن يعزّز هذا الخطر. يؤجّجه. ليس في فرنسا والعالم البعيد فحسب، بل هنا والآن في لبنان.

أصوات اللبنانيّين الفرنسيّين هي، إلى قيمتها العدديّة والمادّيّة، ذات قيمةٍ أخلاقيّةٍ، إنسانيّة، إنسانويّة، ثقافيّة، روحيّة، فكريّة، معنويّة، ويجب أنْ تكون وفيّةً لهذه القيمة، حارسةً لها، ومدافعةً عنها.

وإذا يتزامن الاستحقاقان الانتخابيّان، الفرنسيّ الرئاسيّ واللبنانيّ النيابيّ، أغتنم هذه اللحظة لمخاطبة جميع اللبنانيّين، داعيًا إيّاهم – بتحذيرٍ أبوكاليبتيّ – إلى فهم الخطر الوجوديّ الذي يتهدّد لبنان (بل أيضًا فرنسا أيضًا والعالم كلّه) في حال التجديد للحلف الجهنّميّ الذي تتألّف منه السلطة اللبنانيّة الحاكمة حاليًّا والذي يستولي على لبنان. 

الكاتب: الصحافي عقل العويط