في صبيحة اليوم ال955 على بدء ثورة الكرامة

قبل 600 سنة وتحديداً في العام 1420، روى المقريزي،(عالم ومؤرخ مصري توفي سنة 1442 ميلادية)، عن معايشته السلاطين والولاة، فكتب كيف أن فسادهم أدى إلى إنهيار العمران وتدهور معيشة الناس:

"صار هؤلاء، أي السلاطين والحكام والولاة في بلاد الشام ومصر (ضمناً لبنان)، من أرذل الناس وأدناهم وأخسّهم قدراً وأشحهم نفساً وأجهلهم بأمر الدنيا وأكثرهم إعراضاً عن الدين. ما فيهم إلاّ من هو أدنى من قردٍ، وألصٍ من فأرة، وأفسد من ذئب، فلا جرم إن خربت أرض مصر والشام من حيث يصب النيل إلى مجرى الفرات بسوء إيالة الحكام وشدة عبث الولاة وسوء تصرف ولي الأمر"!

أخطأ المقريزي فالملك"الظاهر برقوق" وأضرابه في أرض الكنانة، كانوا إلى حدٍ ما يشبهون البشر، وأحياناً يعرفون شيئاً عن وجع الناس، فيما ما من نكبة توازي النكبة التي ضربت بلادنا، فتحكم برقاب العباد تحالف مافياوي جمع أحقر اللصوص وأفسد خلقِ الله وأشدهم إجراماً وتبعية للخارج.

في بلاد الناس سقط جانب من مدرج كرة القدم فاستقال الوزير والنائب والمدير ورئيس الفريق ,,.. وعندنا يضرب لبنان بتفجير نووي من حيث القوة والعصف فيتدمر المرفأ بيروت ويُرمد قلب العاصمة ويباد مئات ويسقط ألوف الجرحى، والمدعى عليهم بالجناية تؤمن لهم الحماية ويعاد تنويبهم لضمان الحصانة لهم!

في برلمان العام 2018 كما برلمانات قبله كانت الأولوية التي أفشلها الشارع، لقوانين العفو عن المهربين، مروجي المخدرات، المعتدين عن المال العالم، وكل مرتكبي جرائم العنف ضد النساء والأطفال وأشباههم!

نواب لم يستوقفهم المنفذ الأكبر للجرائم المالية، "أمين بيت المال" رياض سلامة، مبتكر تعاميم السطو على ودائع الناس، يطارده القضاء الدولي، ويلاحقه بجرائم تبيض الأموال، وتهريبها، والإثراء غير المشروع ..لكن بعض القضاء عندنا إرتأى أن يؤجل الإستماع إليه من جلسة كانت محددة قبل يومين إلى ما بعد موعد الإنتخابات الرئاسية! فالمتربع على عرش المصرف المركزي يتولى نيابة عن حماته في مافيا الحكم تأديب اللبنانيين الذين خذلوا المتسلطين في صتاديق الإقتراع فيطلق أخطر عملية تلاعب في سعر الصرف!

خلال عشرة أيام ارتفع صرف الدولار نحو 15 ألف ليرة حتى سقف ال40 ألفاً، رغم أن سلامة وفق مخطط تآمري لتمرير الإنتخابات، جفّف السوق من الليرات، بتكلفة لامست ملياري دولار هي من جيوب المودعين المصادرة أموالهم، وها هو بالأمس بعد تعميم – فرمان عن أن منصة صيرفة ستؤمن الدولارات للناس بدءاً من صباح الإثنين ولثلاثة أيام، وذلك بعد إعلان شريكه المتسلط على وزارة المال يوسف الخليل أن حجم السوق لم يتجاوز ال5 مليون $، فانهزم الدولار شر هزيمة وتراجع خلال ساعتين من بعد الظهر أكثر من 10 آلاف ليرة إلى ما دون ال30 الفاً! لكن مهلاً لن يتم تخفيض لا سعر ربطة الخبز، ولا قارورة الغاز ولا صفيحة البنزين أو المازوت ولا أيٍ من السلع الغذائية، فالإنتقام من اللبنانيين مستمر ولن يتوقف!

الأكيد أن ضبط سعر الصرف لا يكون بالتعاميم، بل بنهج يقلص العجز في ميزان المدفوعات. كان يمكن أن يكون بتنفيذ عرض تأمين الكهرباء، وبالأخص ما عرضته "سيمنز"، فيتراجع الطلب على الدولار، ويتراجع تسلط كارتل المحروقات وشركائه السياسيين، وتستعيد مؤسسات عجلة العمل وفرص العمل، وتعود الإنارة إلى البيوت.. ويتم وضع حدٍ لنهج الهروب إلى الأمام واستنفاذ ما تبقى من ودائع تعود للناس! لكن ذلك كان سيعطل تكديس الأرباح في جيوب المحتكرين وتمويل الإقتصاد الموازي للدويلة!

يمارسون الإجرام ويتلطون وراء عبارة"حماية المودعين"! وينبغي أن يكون مفهوماً أن التعافي مستحيل إذا هدرت الحقوق، والإقتصاد لن ينهض إن تم تذويب مدخرات الناس، ولا قطاع مصرفياً إن تمت تغطية سرقة الحسابات. وأكثر من ذلك "زمن الأول تحول" وسيتحول مع بدء مواجهات مختلفة في البرلمان وفي الشارع. وما حدن يخبرنا أن النواب التغييرين لن يحدثوا الفارق، فللمرة الأولى هناك نواب أوصلتهم موجة شعبية عابرة للطوائف والمناطق، أعلنوا التمسك باستعادة المنهوب ورفض "الصندوق السيادي" لحماية مقدرات البلد، وقالوا أن الكارتل المصرفي الناهب وشركائه سيدفعون الثمن..وسيرى الناس بدقة مواقف كل الآخرين في المجلس النيابي مع الهواء الجديد الذي يرفض المساومات والتسويات على حساب الناس!

قالت كتلة التغيير، في ورقة المباديء التي ستعلن قريباً، أن الحساب آتٍ، وجريمة تفجير المرفأ وبيروت لن تسجل ضد مجهول، وأن لا شرعية إلاّ للسلاح الشرعي وثورة الكرامة لاستعادة الدولة المخطوفة بالسلاح والفساد والطائفية ستتقدم.. ووحدة اللبنانيين حول مصالحهم ووجعهم، ستبلور "الكتلة التاريخية" ليكون متاحاً الذهاب إلى إعادة تكوين السلطة وشلِّ سلاح الدويلة.

بهذا السياق، مهم جداً ما صدر عن القضاة الذين إجتمعوا في قاعة "شهداء القضاء" يوم أمس.. ولن يفلت أي ناهب من دفع الثمن.

وبعد، صباح الثلاثاء سيلتقي أمام مرفأ بيروت نواب التغيير مع حشد من المؤيدين في وقفة تحية للضحايا وإصرار على الحقيقة والعدالة. ينطلقون بعدها وسط تظاهرة شعبية إلى المجلس النيابي للمشاركة في أولى جلسات المجلس الجديد. سيقترعون بورقة بيضاء على الرئاسة في موقف واضحٍ ضد نبيه بري، وبعدها سينافسون على كل مناصب مكتب المجلس واللجان النيابية ولا مساومة.. ومعروف جيداً أن تكتل التغييرين والنواب المستقلين هم الكتلة الأكبر في البرلمان مع نحو 26 نائباً.

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن

الكاتب: الصحافي حنا صالح