ارتفعت الأصوات داخل المجلس النيابي يوم أمس مطالبة السلطة التنفيذية بتعديل المرسوم الرقم "/2011 6433" وابلاغ الأمم المتحدة بذلك. هذا المرسوم يتعلق بملف رسم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي وهو اجراء يسمح للبنان ان يتمسك بالخط 29 بدلاً من الخط 23  المحدد اعتباطياً ومن دون أي سند قانوني ويتيح له المحافظة على حقه في حقل النفط كاريش وهو حقل ضمن المنطقة المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي. ما هي الإشكاليات التي يواجهها لبنان اليوم في هذا الملف؟ واين تكمن الخطورة؟ وعلى من تقع مسؤولية الوضع الحالي؟

‎من حق المواطن اللبناني ان يجد أجوبة على هذه الأسئلة كافّة. فهو يشاهد امام عينيه محاولة نهب ثروته الطبيعية (النفط و الغاز) ليس فقط من قبل العدو الإسرائيلي بل أيضاً من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين في السلطة التنفيذية وذلك من خلال تقاعسهم عن واجباتهم لا بل تجاهلهم عن قصد توقيع مرسوم 6433 وذلك بهدف المقايضة على حساب الشعب اللبناني للاستفادة الشخصية بالاضافة الى المكاسب السياسية التي حاول حزب الله انتهازها لتشريع سلاحه من خلال الايعاز لحليفه النائب حسن مراد الذي تقدم بمشروع قانون يتضمن فقرة يرد فيها نصاً ملغوماً من شأنه الزام النواب باعطاء الشرعية لسلاح الحزب حيث ذكر في مستهل القانون عبارة " وتقديم كل ما يلزم من تسهيلات وموقف وطني موحد يدعم الجيش اللبناني البطل والمقاومة الباسلة …."

‎في الحقيقة ان المشكلة التي يواجهها لبنان اليوم تتخطى الصراع في الداخل اللبناني فهي بالغة الأهمية ومصيرية ومن الممكن ان تشكل صداماً عسكرياً مع العدو الإسرائيلي في حال تعثرت مفاوضات الموفد الأمريكي -آموس هوكشتاين وقرر العدو الإسرائيلي استكمال الاستفزاز وسمح للباخرة ENERGEAN التي وصلت الى موقع حقل كاريش باستكمال تجهيزاتها اللوجستية التي تحتاج حوالي شهرين او ثلاثة وبعد ذلك أذن لها بالتنقيب. هذا السيناريو ربما يكون مستبعد، في ظل حاجة الدول الأوروبية الى "غاز الشرق الأوسط" نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية، لكنه محتمل.

‎و لا بد من الإشارة في هذا السياق الى أن الخط 23 المحدد اعتباطياً يمنح للبنان عمق 860 كم2 فقط بينما الخط 29 و هو الخط الحقيقي للحدود اللبنانية يضيف 1430 كم 2 عمقاً مما يجعل المجموع 2290 كم 2 ملكاً للبنان مع العلم بأن حق لبنان من حقل كاريش 40% ويقدر حجم هذا الحقل ب 40 مليار متر2 .

‎عملياً ان الموفد الأميركي سيصل الى لبنان يوم الاحد المقبل وفي جعبته شروط اضافية في محتوى الاتفاقات المطروحة على طاولة المفاوضات و لكن الحل ذات الجدوى يبدأ بتحديد لبنان حدوده البحرية من خلال  توقيع المرسوم 6433/ 2011 و يودع وفق الأصول القانونية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة عملاً بأحكام المادة 16 و 75 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وذلك أولاً للحفاظ على حق لبنان في حال تم التعدي عليه، ثم للتفاوض غير المباشر مع الجانب الإسرائيلي للوصول الى تسوية وهي حقل كاريش لإسرائيل مقابل حقل قانا للبنان . ولكن لا بد ان يكون التنقيب متزامناً ويفضل ان تكون الشركات التي تقوم بعملية التنقيب نفسه في الحقلين وذلك مع ضمانات من الموفد الأميركي بعدم تعدي طرف على آخر فربّما يكون هذان الحقلان مرتبطان ببعضهما في عمق البحار وبالتالي في مكان ما تختلط حصص الدولتين مع بعضها البعض.

‎في الواقع أن هذه الثروة الطبيعية هي الفرصة الوحيدة والأخيرة لانتشال الوطن من وضعه الاقتصادي المذري وذلك طبعاً في حال تمت إدارتها بنزاهة ومسؤولية وشفافية حيث تعود أرباحها الى خزينة الدولة اللبنانية وليس الى جيوب السياسيين على غرار ما جرى خلال العقود السابقة حيث لم يكن هناك رقيب ولا حسيب على المال العام ، والفساد متغلغل في إدارات الدولة كافة من رأس الهرم الى اسفله، والمحاصصة سيدة الموقف، والحق دائماً الى جانب المتسلط ، بمعنى آخر كان الفاجر يأكل مال التاجر.

 الى ذلك الحين نترقب بقلق ما ستنتجه مفاوضات الرؤوس الحامية وندعو الله ان ينتج ما هو افضل للبنان ولشعبه .

الكاتبة رويدا هيكل الخازن