في صبيحة اليوم ال975 على بدء ثورة الكرامة

في زمن الإنحطاط اللبناني، ومع الهزيع الأخير من عهد البؤس الأسود، تستقتل الطبقة السياسية المنبوذة لتجديد تقاسمها مواقع السلطة والسطوة والنفوذ والإستئثار، علّها بذلك تغطي عورة فقدانها أهليتها الوطنية، بعدما حاذت جائزة الرداءة السياسية والإرتهان وازدراء مصالح اللبنانيين بالتخلي للعدو الإسرائيلي عن السيادة والثروة! في هذا التوقيت، تلقت منظومة الإرتهان صفعة من المحكمة الدولية الخاصة بجريمة قتل الرئيس رفيق الحريري، بإصدارها بالإجماع حكماً مؤبداً 5 مرات بحق حسن مرعي وحسين عنيسي، بعد الحكم بحق سليم عياش، وهذا الحكم هو "العقوبة الأقصى المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة".

صحيح أن المافيا المتسلطة قفزت فوق الحكم وحيثياته، لكن إدارة الظهر لا تشطب ما تضمنه في حيثياته من إدانة لحزب الله الذي إعتُبِرَ الجهة المسؤولة عن تنظيم الجريمة وتنفيذها. ورغم ذلك لا أحد يتوقع أي إستجابة لدعوة المدعي العام الدولي نورمان فاريل الذي أكد أن " العدالة تطالب بالقبض عليهم. وأدعو أولئك الذين يحمون المتهمين الثلاثة من العدالة إلى تسليمهم إلى المحكمة الخاصة بلبنان، كما ادعو المجتمع الدولي إلى إتخاذ أي خطوات متاحة للمساعدة في إعتقالهم"..

سيترك الحكم تأثيراً على مجرى الأحداث، لا بد وأن ينعكس في مواقف بعض الجهات النيابية لجهة رفض إستئثار حزب الله بقرار البلد، وهو إستئثار تسبب أيضاً في مصادرة الحقيقة والعدالة في جريمة تفجير المرفأ التي أدت إلى قتل 240 ضحية، ممنوع على عائلاتهم أن يعرفوا لماذا قتلوا؟ وبسبب من؟ وفي سبيل أي هدف؟ وممنوع على عشرات ألوف المتضررين أن يحلموا بالعدالة، ويمعن وزير المال، تلبية لقرار من بري وحزب الله، بحجز مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية، لأنها تسمح باستئناف التحقيق العدلي وملاحقة المدعى عليهم بجناية "القصد الإحتمالي" بالقتل، مثل علي الخليل وغازي زعيتر، وصولاً إلى وضع القرار الإتهامي وطي صفحة قانون "الإفلات من العقاب"!

2- الإنشغال السياسي يتركز على الإستشارات النيابية التي أرجأها عون إلى الخميس 23 الجاري، ليتيح الوقت للصهر المدلل الإمكانية لممارسة الإبتزاز عله يتمكن من إملاء شروطه..لكن قبل ذلك، يبدو أن التنازل المهين عن السيادة والثروة ما زال ينقصه أن يعترف العدو الإسرائيلي به. فيما الثابت أن تنقيب العدو في "كاريش" لا رجعة عنه وهناك إتفاقية وقعت قبل يومين بين الإتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل لنقل هذا الغاز إلى أوروبا لأنه قد يغطي 13 %من الغاز الروسي، الذي تحول إلى سلاح أساسي في الحرب بين موسكو من جهة وواشنطن والعواصم الأوروبية من الأخرى، على خلفية الغزو الإجرامي لأوكرانيا، وقد لجأت موسكو خلال ال48 ساعة الماضية رداً على العقوبات إلى تخفيض ضخ الغاز إلى أوروبا من 167 مليون متر مكعب إلى 67 مليوناً فقط وهذا ما سيؤدي إلى كوارث في الإقتصادات الأوروبية كافة!

ما تقدم يعني أن أي محاولة للتأثير على التنقيب في "كاريش" يعني مواجه مع الكرة الأرضية. لقد نال هوكشتاين ما أراد، وتردد أن ليس في برنامجه أي عودة إلى لبنان في القريب، وحتى اللحظة خرج لبنان صفر اليدين فحقل قانا قد يكون حقل اسماك بغياب التنقيب، وكل ذلك نتيجة تسلم دفة الأمور الإنتهازيين رموز المقايضة والمصالح الخاصة، أخطر قضية وطنية، فاوضوا بشأنها وسط العتمة وبعيداً عن الناس، ولم يكن من هاجس للأطراف المشاركين سوى الحصول على مكاسب سياسية داخلية لهذا الفريق أو ذاك!

3- الواضح أنها المرة الأولى التي لن يسبق الإستشارات الملزمة، تذكية الإسم المرشح للتكليف برئاسة الحكومة، رغم ما يتردد عن تقدم تأييد نجيب ميقاتي على منافسين مجهولين حتى اللحظة. والأكيد أن التعقيدات كبيرة جداً إثر الإنتخابات البرلمانية وعشية الإستحقاق الرئاسي والدور المناط بالحكومة الجديدة.

لقد سلّموا بأن الشغور في الرئاسة على الأبواب وبالتالي لا تاليف، قد يكلف ولن يؤلف، لأن حصة فريق العهد لن تبقى على حالها مع التبدل في تركيبة البرلمان وربما طموح القوات أن تشارك، كما يُروج بعد لقاء الإشتراكي، سيتسبب بحرمان الفريق البرتقالي الإستئثار بالحصة المسيحية..المشكلة أنهم لا يلتفتون إلى مآسي البلد التي تحتم قيام حكومة إنقاذ مستقلة، بل ما يحرك شهية أركان نظام المحاصصة هو التسلط والإستئثار، لذلك تستمر المنافسة إياها وكأن لا أنهيارات ولا هياكل مشلولة للمؤسسات، ولا إنتخابات!

هنا الأعين على خطوات نواب "17 تشرين" الذين سيعودون للبحث في إسم من يرشحون لرئاسة الحكومة، والأرجح أنه تم حسم الذهاب كوفدٍ موحد، وهم باشروا إتصالات مع نواب مستقلين لبلورة التقاطعات. هنا تنقل "النهار عن النائب ميشال الدويهي أنه يشدد، على "أهمية ترشيح الإسم المؤهل لرئاسة الحكومة، بعد التوقف أولاً عند البرنامج الذي يضعه"، ويميل الدويهي إلى ضرورة التوصل إلى إسم مشترك وترشيحه فيما يعلن النائب ابراهيم منيمنة ( وفق النهار) أن ما يهم "في الدرجة الأولى هو مواصفات الإسم المرشح والبرنامج الذي سيعمل على تطبيقه".

4- بكل المقاييس، أخطأت النائبة نجاة عون، ولم تنجح في التوضيح بتكحيل الخطأ. إن "مدرسة" نبيه بري أخطر ما عهده لبنان في تشويه الديموقراطية والعمل البرلماني..والقضية الكبرى اليوم قضية العدالة للبنان ولضحايا تفجير المرفأ يقف بري ومن معه من المنظومة وبالأخص حزب الله بوجه حق اللبنانيين بالعدالة والحقيقة، مصراً على حماية الفارين من وجه العدالة، متمسكاً بقانون "الإفلات من العقاب"! و"مآثره" لا تعد على إمتداد الوطن!

إن المسؤولية كبيرة على نواب الثورة، ومنهم نجاة عون، وهم تحت المجهر، مجهر الجمهور الكبير والمتنوع الذي أوصلهم، فمثل هذا الموقف غير مقبول، وغير مقبول بلا فلسفة ومرفوض القول أن هناك تأويلاً! هذه الأخطأ ليست تفصيلاً أبداً وكل ماقيل مفهوم وحتى المبالغات التي بلغت حد الجلد، والسبب أن مئات الألوف لن ينتظروا 4 سنوات للمحاسبة، بل إن الحساب سيكون مفتوحاً كل يوم لأن هذا الجمهور من الشوف دائرة نائبتنا نجاة عون إلى كل لبنان، حريص على نجاح التجربة، وقلق من أثر الهنات أياً كانت، ونجاح التجربة يرسم الطريق لإستعادة اللبنانيين كل السلطة في العام 2026. نعم من لحظة بروز نتائج الفرز بدأت على غير صعيد المعركة الإنتخابية الآتية بعد 4 سنوات.

على نواب ثورة تشرين التنبه إلى أن اللبنانيين في عملية الإقتراع لعبوا دورهم في إنجاز وحدتكم، وهذه الوحدة ممنوع التفريط بها. ويبقى أنه رغم السقطة والتي لم تلامس الأفعال، فنجاة عون بالذات هي بشر وهي من المتفانين في خدمة الشأن العام وتمسكها بهذا اللبنان الذي لا بديل عنه، يعرفه كل من يعرفها من زملائها وطلابها والكثير من الأوساط الشعبية، والمؤكد أنها ستكون حذرة حيال الهفوات وكمائن الذئاب. 

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن

الكاتب: الصحافي حنا صالح