يسمع المواطن اللبناني باستمرار عبارة " موجب التحفظ " خاصة عندما يتعلق الامر بالقضاء وكثيراً ما سمعنا الجملة متزامنة مع حملة انقضاض على قاضٍ ما لاسكاته او للتهويل عليه او لاعادة وضعه على السكة .

بدأت منذ مدة البحث عن المادة او القانون او القرار الذي وردت فيه هذه العبارة ولم أوفق بنتيجة ، اذا قمنا بالبحث على موقع غوغل عن هذه العبارة لم نجد سوى اجابتين فقط كلاهما يشيران الى القاضية غادة عون بحيث يبدو الامر وكأن موجب التحفظ ذلك .. وجد من أجلها فقط !! 

يتسلح البعض بهذه العبارة للنيل من الخصوم كون " موجب التحفظ " هو عُرف أخلاقي يجب على القاضي التقيد به وبعناية تامة بحيث يتوجب على القاضي الابتعاد قدر الامكان عن التجمعات والملاهي الليلية وان يتحاشى الصداقات المشبوهة مثل انتقاء اصدقائه جيداً وان لا يتعاطى في الشؤون السياسية ويحافظ على سمعة طيبة ونمط حياة متوسط بعيداً عن مظاهر الترف والبذخ كي لا يضع نفسه تحت مجهر الشك والريبة ، بالاضافة لعوامل اخرى يجب على القاضي التقيد بها بموجب التحفظ ذلك .

" موجب التحفظ " لا يستخدم في السلك القضائي فقط ! ايضا السلك الدبلوماسي يستخدم هذه العبارة وكنت قد سمعتها عدة مرات اثناء قيامي بتحقيقات صحفية لنبش مغاور الفساد في وزارة الخارجية والتي تشبه مغارة " علي بابا " حقاً ، يتوجب على الموظفين والقناصل والسفراء التحلي " بموجب التحفظ " ايضاً ، وموجب التحفظ هذا يجعل الموظفين رهينة محكم عليها تماماً ولا يمكن لهم البوح بأي شيء حتى لو كان الموظف على علم بأن السفير يقوم بنهب المال العام ويمارس اقذر الاعمال وان قام الموظف بالإخبار عن الجريمة يتعرض للتنكيل والمضايقات والاقتلاع من المنصب ورميه في اروقة الارشيف داخل الوزارة ..

بالعودة الى بدعة " موجب التحفظ " قضائياً نجد ان هذه الجملة تم استخدامها لخدمة القضاء المرتهن للطبقة السياسية ، فبدلاً من ملاحقة الفاسدين وتوقيفهم مهما علا شأنهم يقوم بعض القضاة باستخدام " موجب التحفظ " تجاههم وتصبح القضايا حبيسة الادراج وينعم السياسي الفاسد بنعيم " موجب التحفظ " المهزلة .

موجب التحفظ المسخرة لا يردع قاضٍ من استخدام موقعه للنيل من المطالبين بالحق والحياة العادلة فيستخدم موجب التحفظ على القانون ويمعن بإذلال الناس لاسكاتهم وتقديم الخدمات للطبقة السياسية الفاسدة ، كذلك ان موجب التحفظ لا يجب ان يكون قفلاً لافواه القضاة ومن قال ان القاضي لا يمكنه ابداء رايه ؟ ومن قال ان مهزلة " موجب التحفظ " هي شريط لاصق لافواه القضاة ؟ على القاضي التحدث دائماً وفي أي مناسبة ومن خلال أي منصة ليرشد الناس الى حقوقهم وواجباتهم ، ليعطي نصيحة تنير دروب الناس ، ليضيء على ثغرات في القانون والنظام العام ، ليصوب باتجاه احقاق الحق والعدالة .. 

منذ سنتين تقريباً قامت القاضية النزيهة " أماني سلامه " بتأسيس " نادي قضاة لبنان مع كوكبة من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة بالتزامن مع اشتعال ثورة ١٧ تشرين وكان النادي المذكور يؤازر ثورة الناس باصدار بيانات دورية تصوب الخطوات القانونية باتجاه تحقيق العدالة وتحفز الاخرين لانتهاج السلوك السوي لبناء الادارة والمحافظة على المؤسسات وكنا وما زلنا نتابع هذا النادي وما يصدر عنه لنرتقي بعملنا الثوري على الارض وفي كل القنوات القانونية التي نواجه بها اخطبوط الفساد والاجرام الحاكم في لبنان ، هذا النادي بمثابة منصة توعوية للناس ترشدهم الى الطريق المضيء لثورتهم الخلاقة وتجمع بين القضاة لخلق بيئة مستقلة وموحدة تؤسس للاستقلالية القضائية الفعلية في النفوس قبل النصوص ، " موجب التحفظ " لم يمنع هؤلاء القضاة النزيهين من اصدار البيانات والاراء .. فكيف يمنع هذا الموجب القاضي شادي قردوحي من اشهار رأيه وسيف الحق ضد الباطل ؟ كيف لموجب التحفظ هذا ان يمنع قاضٍ شريف رفض ان يكون لاعقاً لاحذية الفاسدين وثار لكشفهم وفضحهم والدعوة لمحاسبتهم ان يمنعه موجب التحفظ هذا من القيام بواجباته الوطنية والاخلاقية خاصة وان مجلس القضاء الاعلى والمناط به محاسبة الجميع يستخدم موجب التحفظ لاسكات القضاء وليحمي المنظومة الفاسدة !؟؟ 

ما هذه المهزلة المسماة " موجب التحفظ " ؟!!! 

ينقلنا هذا الوضع الى المعركة المركزية بهذا الخصوص " قانون استقلالية القضاء " والذي تقدمت به النائبة بولا يعقوبيان والمفكرة القانونية منذ ٤ سنوات وينام في ادراج لجنة الادارة والعدل الذي يرأسها سابقاً وحاليا نائب قوات النفاق والمحاصصات " جورج عدوان " والذي بمعية المافيا والمليشيا يقوم بإفراغ القانون من مضمونه لتأمين اكبر قدر من الحماية للمرتكبين ، هذه المعركة يجب ان تكون في رأس قائمة نواب التغيير وفي طليعة المطالب الشعبية اثناء التحركات المطلبية ، لان القضاء النزيه المستقل حقاً لا قوانين تحميه ، القضاة الشرفاء هم مستقلون عن اي تبعية لكنهم يدفعون ثمن استقلاليتهم من خلال مناقلاتهم والرمي بهم في اماكن بعيدة لتلقينهم الدرس ناهيكم عن التهديدات وعمليات التشبيح والبلطجة التي يتعرضون لها .

قاضية قالت لي يوماً : " اذا بدكن تستعيدوا لبنان .. لازم تعمموا لغة المحبة ." 

هذه القاضية مستقلة فعلاً ، تمارس مهامها في اروقة احد قصور العدل المهترئة لها من الاقدمية ما يخولها ان تكون رئيسة محكمة لكنها تدفع ثمن عدم تبعيتها وتمارس موجب التحفظ بإقفال فمها عن كل ما يجري حولها خشية على اولادها ، تخيلوا ؟ قاضٍ يعيش في هذا الرعب فأي عدالة سينالها الناس ؟ 

الى القضاء اللبناني الشريف .. ادعوكم بإسم الشعب اللبناني وانتم المؤتمنين على هذا الشعب وتحكمون باسمه ان تضربوا موجب التحفظ المسخرة عرض الحائط وان تنضموا الى رفاقكم القضاة الشرفاء الذين عزموا على المواجهة مهما كان الثمن ، انتم اليوم امام مسؤولية كبيرة ، ان لم تتحدوا لاعلان الثورة القضائية فغداً لن ينفع ابنائكم " موجب التحفظ " .. 

طز بموجب التحفظ .. انتفضوا لكرامة الوطن وكرامتكم ومستقبل ابناءكم ، لا تستخدموا " موجب التحفظ " عن ضميركم وعن العدالة .. لا تتحفظوا عن احقاق الحق ومناصرة الشعب المنهوب المعدوم ، حان الوقت يا قضاء لبنان .. حان الوقت .. 

الكاتب : فراس بو حاطوم