في صبيحة اليوم ال907 و908 على بدء ثورة الكرامة.

أنسوا تأليف الحكومة، فأصحاب القرار يرون بالعملي أن لا داعي لوجود حكومة جديدة، مرتاحون إلى إنطلاق كرة الإنهيارات دون كوابح، والرهان الدائم أن الناس تتكيف فيتم القبول والتطبيع مع الوضع مهما بلغ سواده وظلمه!

قضية التأليف هي الآن قيد الشروط والتعقيدات والمحاصصة المقيتة، وهي رهن الجمود وإنقطاع الصلات بين بعبدا والسراي. لكن الأحاديث في السرايا والقصور قدمت البحث بالإستحقاق الرئاسي على ما عداه، ومن غير المستبعد أن تستمر حكومة تصريف الأعمال حتى الإستحقاق الرئاسي! وما لفت الإنتباه كان غداء اللقلوق عندما إستضاف جبران باسيل النائب فريد الخازن، أحد أكثر المنددين بسياسات ومواقف التيار العوني، وكان ثالث اللقاء البحث في الإستحقاق الرئاسي بين الخازن الموفد من سليمان فرنجية وجبران باسيل، وذلك إعداداً للقاء يجمع باسيل وفرنجية في دارة الأخير في بنشعي! 

ما يجري في الأمكنة النيابية الأخرى لم يتبلور، لكن كل اللبنانيين توقفوا أمام المشاهد التي صنعها الناس في سيريلنكا! وعند المتشاوفين وسواهم عندنا معروف معنى كلمة سيرلنكي، فإذا بهذا السيرلنكي يوجه صفعة مدوية لرأس التسلط في سيرلنكا فطالت الكثيرين عندنا! ليس صحيحاً أن الرئاسة محصورة بين مرشحي حزب الله سليمان فرنجية وجبران باسيل، وإن سمحت التقاطعات الخارجية يضاف إلى اللائحة اسم العماد جوزيف عون، ويقابلهم سمير جعجع الذي قال أن الإنتخابات وضعته في موقع "المرشح الطبيعي" لكنه لا يبحث عن الأصوات بل عمن "يحمل برنامج القوات"(..).

هذه المرة، وبعدما قال الناس رأيهم في الإنتخابات وأرسلوا أكثر من رسالة معبرة عن إعتزامهم الذهاب بعيداً باتجاه إنتزاع التغيير وكسر حلقات الفساد والإفساد المتلاحقة، وحملت لهم الأحداث في سيرلنكا الكثير من عناصر الشبه بين البلدين، هناك تتحكم بالبلاد عائلة "راجابسكا"، والشقيق الأكبر "غوتابايا " هو رئيس البلاد، والأصغر "ماهيندا" رئيساً للحكومة، والأبناء والأقارب والأحفاد يسيطرون على المقاعد الوزارية المهمة والمقاعد النيابية وحكام النواحي وحتى كبار القضاة! وفي ظلِّ تسلطهم خربت البلاد وتم إفقارها وتجويع أهلها وقد طار كلياً الأمن الغذائي وتفاقمت الأوضاع مع الإنهيارات العالمية المتلاحقة!

لوقت قصير لم يكن يخطر ببال أحد إمكانية مواجهة "غوتابايا" فهو المقاتل القوي الذي هزم "نمور التاميل" ما وضع حداً للحرب الأهلية التي ضربت الجزيرة طيلة 25 سنة وأنهكت كل المشاركين فيها. ولم يكن تسلط هذه العائلة محلياً وحسب بل إستند إلى التدخل الصيني لأن الجزيرة موطيء قدم مهم للمشروع الصيني المعروف "الحزام والطريق" والذي تريد منه بكين أن تكون جارة كل العالم فتغرق سلعها الأسواق..فقدمت الأموال التي أهدرت على مشاريع غير مجدية، فتفاقمت الديون الخارجية للصين التي وضعت اليد على مرافق عدة لإستعادة قروضها(..)، وتدخلت الهند جزئياً كي لا تترك الساحة لعدوها اللدود، وقصمت جائحة "كورونا" ظهر الجزيرة عند القضاء على قطاع السياحة القوي، واصيب القطاع الزراعي بالدمار نتيجة سياسات زراعية تم تنسيقها بالإتفاق مع إيران رغم العقوبات!

وقعت الكارثة واتسع الجوع وبدأ التململ الشعبي وتفجر الغضب وتم إقتحام قصر "الرئيس القوي"! وكم يبدو الشبه كبيراً بين لبنان وسيرلنكا، فعندنا كما عندهم، كل زعماء الميليشيات، لم يحاسبوا بل إستفادوا من قانون العفو عن جرائم الحرب فإنتقلوا إلى مقاعد السلطة وما زالوا منذ 32 سنة على النهاية الرسمية للحرب الأهلية. لم يمسهم أحد فهم "أبطال" و"تاريخ" و"مقاومة"، مع انهم دوماً كانوا على خانة التبعية لجهة خارجية، مباشرة أو بالوكالة، وهي جهة لم تقصر في نهب البلد مقابل حماية الفاسدين الذين سخروا القوانين من أجل"الإفلات من العقاب"!

إنقلب المشهد كلية في سيرلنكا، ولن يتأخر الوقت عندنا لقيام "الكتلة التاريخية" التي ستبلور البديل السياسي للطغاة، وستفضي السياسات المتبعة لتكرار هذا المشهد مع بعض الخصوصية اللبنانية، ولا يحدثنا أحد أن الإنقسامات اللبنانية غير ما هي عليه في سيرلنكا..والممر المفضي اليوم لبدء رحلة التغيير بعد الإنتخابات ضرورة بدء خطوات جدية لتوحد القوى التشرينية المنظمة والحيثيات المحلية لتشكل نواة هذه "الكتلة التاريخية" المنشودة..وبعدها لن تقوى نار جحيهم على عزيمة اللبنانيين الذين لن ينتظروا الخارج ولن يراهنوا على الأحلام أو قوى غيبية تحقق لهم مستقبلهم!

 

2- ماذا يحصل في القضاء؟ وكيف يعملون لتدجينه واستتباعه أكثر فأكثر؟

الظلم اللاحق بالقضاة كبير، والقضاء متروك إلاّ من التخلات التي تضعفه وتشرزمه وتمنعه من القيام بدوره. ولئن كانت المجالس النيابية المتعاقبة قد حجبت قانون إستقلال السلطة القضائية، وبلغت التدخلات حدها مع تمنع عون عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية، وتمنع وزير المال بطلب من بري عن توقيع التشكيلات القضائية الجزئية كي يبقى التحقيق في جريمة تفجير المرفأ معطلاً.. فالقضاء اليوم أمام "مكرمة" من متهم بالفساد هو رياض سلامة الملاحق أمام القضاء الأوروبي بتهم غسل الإموال والإثراء غير المشروع! وهذه "المكرمة" إعتمدت بتوجيه من بري وكل المنظومة، وتقوم على أن يقبض القاضي راتبه بالدولارعلى سعر الصرف 8 آلاف ليرة ويحوله إلى ليرات وفق السوق الحقيقية، فيصبح راتب ال7 ملاين ليرة أكثر من 25 مليوناً وذلك إسوة بالبدعة التي ذهب إليها بري وتطبق على رواتب نواب الأمة!

من الآخر، على نواب الثورة من اليوم التصدي لهذه الرشوة التي تم إغداقها على النواب وفضح خطرها ولا قانونيتها ورفض إلإستمرار بها واستعادة الأموال التي أنفقت على أساسها، والتي يتم توسيعها لتشمل القضاء وقد جرى إستثناء القضاة المتقاعدين. ومن الآخر يجب أن يرتفع صوت مجلس القضاء الأعلى يطالب بالحق ويرفض الرشوة. ويجب أن يرتفع صوت نادي القضاة وكل الجسم القضائي الشريف الذي يستحق كما بقية خلق الله تحسين أوضاعهم ويعلنون رفض هذه الرشوة الخطيرة، التي رتبها في ليل قضاة معروف إتجاههم وتلاحقهم الشبهات، وأنجزوها مع سلامة المتهم والملاحق دولياً ومحلياً بالفساد، ويتابع هدر المتبقي من ودائع تعود للبنانيين لتمرير سياسات مدمرة للبلد!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.

الكاتب: الصحافي حنا صالح