أكتب هذا المقال برويّةٍ مضاعفة، لعلّه يجد عقولًا صاغيةً، في هذه الغمرة الوطنيّة الحالكة والمحفوفة بالأخطار من كلّ نوع.
لم يعد هناك وقتٌ ضائعٌ. شدُّ الحبال وصل إلى أقصى مبتغاه. كلُّ إمعانٍ في هذا الكباش العبثيّ المريب سيفضي إلى انقطاع الحبل الوطنيّ. الضفدع، مهما نفخ نفسه، لن يصير فيلًا. والفيل، من جهته، مهما تجبّر، لن يقوى على عصفور، على ذبابة، أو على نملة. في كلّ حال، ليس كلّ اللبنانيّين ضفادعُ وفِيَلَة، ولن يصيروا كذلك – حصرًا – مهما تمادى العماءُ استيلاءً على العقول.
عندما يحين الاستحقاق الرئاسي، سيكون المشهد السياسيّ كارثيًّا ومأسويًّا إذا بقي أطراف الطبقة السياسيّة على مواقفهم وممارساتهم الظاهرة، ولا سيّما منهم الذين يمسكون بالأوراق، "أوراق اللعبة". علمًا أنّها ليست لعبةً على الإطلاق.
الروليت الروسيّة انتحارٌ سياسيٌّ ووجوديٌّ وكيانيّ. لا أحد في هذه الروليت يستطيع أنْ يتذاكى على أحد، ولا أنْ يتحدّى أحدًا (بتطلع فيه وبغيرو). الخاسر خاسرٌ. والمنتصر خاسرٌ أيضًا. لأنّ لبنان لن يعود لبنان. ولن يبقى لبنان.
استحقاقُ رئاسة الجمهوريّة هذه المرّة، مسألةُ حياةٍ أو موت. لكنّ انتخاب الرئيس هذه المرّة في مقدوره أنْ يكون مؤشِّرًا للعودة إلى العقل، ومناسبةً – لن تتكرّر - للتوقّف البراغماتيّ عن التلاعب بالمسألة الوطنيّة، وللعودة الموضوعيّة والواقعيّة إلى فلسفة الدستور.
اللاءات من هذه الجهة وتلك معروفةٌ من الجميع. والحال هذه، فلتوضعْ جانبًا. هذا ما يقول به العقل. جرِّبوا العقل.
هناك مرشّحون للرئاسة – سيّئون جدًّا جدًّا جدًّا - إذا جيء بأحدهم رئيسًا، أكان ذلك بسبب الغفلة، أو الاستقواء، أو الاستكبار، أو الحمرنة، فعلى الدنيا اللبنانيّة السلام.
هناك مرشّحون لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة، بعضهم صفقةٌ تسوويّة، بعضهم تبويس لحى، بعضهم آدميّ، بعضهم انتهازيٌّ متسلّق، وبعضهم "خيخة"، بلا شخصيّة، بلا مبادرة، بلا رأي حرّ، بلا استقلاليّة، وبلا سيادة على الذات، إذا جيء بأحد هؤلاء، فكمَن يزرع لغمًا، ويضمر خبثًا ومكرًا وشرًّا، أو كمَن يضحك على نفسه وعلى خصمه، في انتظار الفرصة السانحة لمواصلة "اللعبة" الجهنّميّة القذرة. علمًا أنّه لم يعد هناك وقتٌ ضائعٌ البتّة.
المواطن الذي لا يريد من هذا الاستحقاق الرئاسيّ إلّا احتضان الفرصة العقلانيّة الضئيلة المتاحة أمام لبنان، يعلن أمام أطراف الطبقة السياسيّة، ولا سيّما منهم الذين يمسكون بالأوراق، "أوراق اللعبة" (علمًا أنّها ليست لعبةً على الإطلاق) أنّه إذا أريد البحث الجدّيّ عن مرشّحين عقلانيّين ليسوا "خيخة"، ولا ذمّيّين، ولا تابعين، ولا ملحقين، ولا ملتحقين، ولا تفقيس مساومات وتبويس لحى وصفقات، بل أهل "كتاب" (الدستور) وواقعيّة وأوادم ويتمتّعون بقوّة الشخصيّة وبالاستقلاليّة وبالسيادة على ذواتهم، يقولون نعم ساعة اللزوم، ويقولون لا ساعة اللزوم، فثمّة – أكرّر بالعقل الملآن - مرشّحون يتمتّعون بهذه الأوصاف. وهم أكثر من مرشّح.
هؤلاء موجودون، وإنْ كانوا لا يستعرضون أنفسهم وبضاعتهم، ولا يعرضونها لمساومة. هؤلاء لم يفرّخوا من عدم، وهم لا يختبئون وراء كوع.
لمَن يهمّهم الأمر من الحكماء والعقلاء، وأيضًا من أطراف الطبقة السياسيّة، ومن أعضاء مجلس النوّاب، ومن الممانعين (إذا قرّروا العودة إلى كتاب الدستور ومعايير الجمهوريّة والدولة)، ومن السياديّين، ومن أهل 17 تشرين، أنْ يسألوا عن هؤلاء "الرؤساء المحتملين" غير المتداوَلَة أسماؤهم، وأنْ يفتّشوا عنهم بالفتيلة والسراج، لأنّهم لن يستعرضوا كراماتهم الوطنيّة والدستوريّة، ولن يعرضوا "بضاعتهم الرئاسيّة"، ولن يخضعوا لامتحان.
أكرّر: الفرصة العقلانيّة متاحة، لمَن يهمّهم هذا الأمر.