كفى ظلماً للسجناء !

 

شاهدنا مؤخراً صورًا في وسائل الاعلام ارسلها سجناء سجن رومية في مبنى "المحكومين"، تُظهر وحشية القوى الامنية وبربريتها - قوى مكافحة الشغب -عند اقتحامها المبنى ضربت المساجين بالهراوات والعصي لقمع التحرك الاحتجاجي الذي نفذه هؤلاء مطالبين بإقرار قانون العفو العام تزامناً مع الجلسة التشريعية في مجلس النواب يوم الثلاثاء في26 تموز / يوليو 2022. اضاف لنا هذا المشهد المزيد من الاشمئزاز والقرف من شبه دولة تبكي على اطلالها، مفلسة إداريًا واقتصاديًا وسياسيًا وأمنياً واخلاقياً. انها شبه دولة بالكاد تحافظ على الحد الادنى من الامن حيث لا تخلوا مناطقها من الاشتباكات المسلحة (كل ما دق الكوز بالجرة) على خلفية إشكال فردي او ملاحقة سارق او تاجر مخدرات. الظاهر انه في ظل الامن المتفلت والهش السائد في الدولة لم تستطع قوى مكافحة الشغب عرض عضلاتها الا على المساجين العزّل.  

لا نستطيع ان نمر مرور الكرام امام هكذا مشهد دون ان نشعر بالذل لأننا ننتمي الي وطن تُعامل سلطته الانسان وكأنه حيوان، لا بل في الدول المتحضرة يُعاقب من يُعامل الحيوان بهذه الوحشية.

لننظر الى الموضوع من زاوية اخرى. هؤلاء السجناء صدرت أحكام بسجنهم. هل القانون عاقبهم ايضاً بالضرب داخل السجن؟ كلا. هل يوجد اي مخالفة قانونية عقوبتها الضرب؟ طبعًا لا. اذا مهما كانت أفعال السجناء لا يحق لقوى مكافحة الشغب ضربهم وجلدهم. هي خالفت بالتالي القوانين والاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الانسان التي وقعت عليها الدولة اللبنانية. ان مُجلد "حقوق الانسان والسجون" الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ يؤكد بأن حقوق السجين: "هي استحقاقات أصيلة لكل شخص نتيجة كونه إنساناً وتقوم على أساس احترام كرامة كل فرد وقيمته. وهي ليست مزايا أو منحة تفضَّل بها حاكم أو حكومة. ولا يمكن حجبها بسلطة تعسفية أيّاً كانت. ولا يمكن إنكارها كما لا يمكن إلغاؤها بحجة أن شخصاً ما قد ارتكب جريمة أو خرق قانوناً". كما ان هذه القوى خالفت ايضاً الدستور اللبناني الذي يؤكد بمقدمته على الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الانسان والعمل على تجسيد مبادئه. قوى مكافحة الشغب تصرفت وكأنها في شريعة الغاب. وهنا يكمن السؤال: الا يجب محاسبة الفرقة التي قامت بهذا الفعل الشنيع؟ 

بالإضافة الى ذلك، ان أغراض عقوبة السجن ليست فقط لمعاقبة المجرمين بل لإعادة تأهيلهم لجعلهم يدركون ان ارتكابهم جريمة خطأ ومن ثم تعليمهم مهارات تساعدهم عـلى العيش والتزام القانون في حياتهم بعد إطلاق سراحهم. كيف يمكننا ان نطلب من السجناء ان يتوبوا عن الاعمال غير القانونية ويقتادوا بقدوة صالحة ويحترموا القانون بعد خروجهم من السجن أو خلال حجزهم إذا كانت المؤسسات العسكرية التي يجب ان تكون القدوة الصالحة للمساجين وللمواطنين عامة تخالف القانون ولا تلتزم معايير إعادة تأهيل السجين؟ لا بل أن تصرفاتها تحفز المساجين والمجتمع على العنف والشراسة والاعمال غير الانسانية وغير القانونية. 

بالرغم من كل هذه الممارسات الهمجية، لا أحد يبالي لما جرى في دهاليز قلعة رومية. حتى اننا لم نسمع اي موقف استنكار او حتى اعتراض من الجمعيات المعنية او لجنة الوقاية من التعذيب التابعة للهيئة الوطنية لحقوق الانسان، والتي اقسم اعضاؤها بأن يقوموا بمهامهم "اي بالمحافظة على حقوق الانسان بأمانة وإخلاص واستقلالية، وأن يتصرفوا في كل ما يقومون به تصرفاً يوحي بالثقة والحرص على سيادة الحق وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها". فيبدو ان لجنة الوقاية من التعذيب في حالة غيبوبة وهذا القسم ليس الا حفلة زجل. للأسف في وطننا قلة الضمير وقلة الإنسانية متفشية في مؤسسات ومراتب الدولة كافة. 

من جهة أخرى، تدرك القوى الامنية تمامًا الوضع المأسوي الذي يعيشه المساجين في السجون اللبنانية وخصوصاً في سجن رومية، من ناحية الاكتظاظ العددي والإهمال الطبي وفقدان الأدوية وانخفاض كمية الطعام لدرجة ان محاولات انتحار عدة جرت داخل السجون ولا يتجرأ أحد ان يأتي على ذكرها.

بالنسبة الى مسألة انخفاض كمية الطعام وفقدان الأدوية، المشكلة تفاقمت خلال السنتين الأخيرتين بسبب العجز الذي وصلت اليه الدولة. فكمية الاكل ونوعيته باتت متدنية والنفقات الطبية توقفت تماماً بسبب الارتفاع الهائل في أسعار الدواء بعد رفع الدعم عنه. فحالياً في سجون رومية إذا مرض سجين يحتضر من الألم ولا يجد علاجاً الا على نفقة ذويه. أحياناً تتعثر الأمور مع ذوي السجين حيث الازمة الاقتصادية والفقر يطالان معظم الناس في لبنان، فيحاول السجناء جمع ثمن الدواء من بعضهم البعض لتأمينه لسجين زميل. يا للخجل ولسخرية القدر بات الخارج عن القانون والمنبوذ اجتماعياً والحامل وصمة عار كونه سجين لديه إنسانية أكثر من المؤتمنين على الوطن والمواطن.  

ان الظلم وقلة الإنسانية يلاحقان سجناء رومية على الأصعدة كافة وفي كل تنهيدة. فعددهم وصل الى 4000 سجين. حسب بعض المعلومات ان العدد الحقيقي غير معلن ويتخطى ال9000 بين محكوم وموقوف بانتظار صدور الاحكام. وبحسب معايير حقوق الانسان، يُفترض أن يكون العدد الإجمالي للسجناء في سجن رومية بمبانيه كافة، 1050 سجيناً فقط. تخيلوا اذاً الوضع المأسوي الذي يعيشه السجناء. فهم مكدسون في الزنازين فوق بعضهم البعض، مرصوصين الواحد بجانب الآخر (كأنهم بضائع)، وعلى الأرجح ينامون وقوفاً. انهم مجردون من حقوقهم الإنسانية كافة.

لا بد في هذا الحال من صرخة ضمير لإيقاظ المذنبين والمقصرين في واجباتهم اكانت القوى الامنية او لجنة الوقاية من التعذيب أو الجمعيات الخيرية أو المنظمات الدولية، وتذكيرها بأن تحذر من الظلم ... فإن عاقبته وخيمة. 

رويدا هيكل الخازن – كاتبة لبنانية