في صبيحة اليوم ال937 على بدء ثورة الكرامة.

 

من المؤكد أن صفحة تأليف حكومة ما بعد الإنتخابات، الأخيرة في "العهد القوي"، قد طويت. والضغوط التي يبذلها القصر – باسيل مع حزب الله، لدفع ميقاتي إلى الإعتذار وصلت إلى حائطٍ مسدود. النجيب لم يصدق أنه تلقط بورقة التكليف، إلى جانب رئاسته حكومة تصريف الأعمال، ضامناً البقاء في السراي إلى ما بعد إنتهاء الولاية الرئاسية، فلن يتخلى الآن عن هذا "الإنجاز"! هو رجل سلطة كما كل الآخرين في منظومة النيترات، وفي هذا المنعطف الخطر الذي يمر به لبنان، يتمسك كل واحد منهم بالكرسي الجالس عليه لأن البديل قد يعرضه لمساءلة قضائية دون أن يحتسب!

ويبدو من شبه المؤكد أن التراشق المنحط بين ميقاتي وباسيل والشتائم والقدح والزم، وتبادل الإتهامات بالسرقة والفجور، إلى كونه صورة حقيقية عن هذه المنظومة المافياوية الناهبة والقاتلة، التي لولا بندقية حزب الله غير الشرعية لما بقي منها "مخبر" على مقاعده بعد ثورة تشرين! فهذا الإنحطاط والإنحدار الأخلاقي يتم على خلفية إجهاض طموحات باسيل التحكم بالحكومة لرفع مستوى تأثيره في الإستحقاق الرئاسي! فتقدمت إعتبارات الإطاحة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتبدو الإستعدادات على قدم وساق لشغور مديد في رئاسة الجمهورية. هذا الأمر الذي سيدفع بقوة كرة الإنهيارات التي تطحن البلد دون كوابح، وتطحن حياة الناس ومعيشتهم، ويبدو أن سعر الصرف لم يأخذ بعين الإعتبار الدعايات عن نتائج مالية مرتبطة بالعودة الكثيفة للمهاجرين وإنفاقهم، فقد تجاوز سعر الصرف ال31 ألف ليرة، وكارتل الفجور المصرفي مضرب اليوم ما سيعمق التلاعب في سعر الدولار وتالياً لقمة الناس وحبة الدواء!

وسط هذا المناخ، أطل أمس البطريرك الراعي مقدماً قراءته للتطورات، ومبدياً الأسى والأسف على هذا الإنحطاط السياسي، ومستغرباً أن تكون متوفرة إمكانية التوافق مع إسرائيل على ترسيم الحدود( القصة معقدة رغم التنازلات الرسمية المهينة للبنان) من إمكانية التوافق على تشكيل حكومة..لكن المسألة مع غبطته لم تقف عند حدِّ التوصيف، وتحذيره من مخاطر وجودية داهمة، ومخاطر من تناسل سلطات أمرٍ واقع(..) فإذا بالبطريرك كما وضع اللبنانيين سابقاً أمام خيار واحدٍ من أربعة لرئاسة الجمهورية(..) إنزلق إلى "دعسة ناقصة" بالغة الخطورة، عندما قال: "ليعلم المسؤولون أن الشعب يرفض تسليم مصيره إلى حكومة تصريف أعمال، كما يرفض عرقلة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية"!

كل الضغوط يجب أن تبذل لإحترام الإستحقاق الرئاسي ولخوض معركة مختلفة لإيصال رئيس يحمل برنامجاً إنقاذياً ويطرح رؤى لحلولٍ آنية وبعيدة المدى مع أولوية إستعادة الدولة المخطوفة وبسط السيادة دون شريك..لكن إن نجح التحالف المافياوي بإطاحة هذا الإستحقاق، هل يغطي البطريرك المخطط الذي يقوم على البدع لبقاء عون في بعبدا؟ مقلق هذا الطرح الذي يتجاوز حد الدستور، ويستنسخ الكثير مما يروج، بدءاً مما كشفه قبل نحو من شهرين جميل السيد من بعبدا، عندما خرج من لقائه مع عون ليعلن أن الرئيس لن يسلم الصلاحيات لحكومة تصريف أعمال؟! فبعد 31 تشرين أول ما هي الصلاحيات الباقية بيد رئيس إنتهت ولايته ليسلمها؟

لأنهم يستسهلون التلاعب بالدستور وقد حولوه إلى "مغيطة"، على نواب الثورة تسريع إعلان رؤيتهم للمواصفات التي ينبغي أن يتمتع بها مرشح الرئاسة، وإعلان البرنامج الإنقاذي البديل سياسياً ومالياً وإقتصادياً وأخلاقياً.. برنامج ينبغي طرحه على الناس، وكوكبة اللبنانيين حوله، فرئاسة الجمهورية تعني كل البلد، وينبغي أن يكون للمواطنين رأي فيها وتأثير، فبعد الثورة ينبغي التأكيد كل يوم على أهمية اللاعب السياسي الجديد وهو المواطن اللبناني الذي غادر مقاعد الإنتظار!

 

وبعد، من حسنات التراشق الحاد بين بعبدا والسراي، عبر باسيل – ميقاتي، أن مرسوم التجنيس الخطير قد لا يرى النور..لكن لا ينبغي النوم على حرير نتائج التراشق، فالصفقة المجزية من المرسوم ( مئات ملايين الدولارات) قد تفرض نفسها، والسوابق مقلقة فعلى الدوام الصفقات المجزية توحد المتسلطين وتؤجل خلافاتهم!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن

الكاتب:الصحافي حنا صالح