أسبوعان فقط المهلة الفاصلة عن بدء الإستحقاق الرئاسي في الأول من أيلول. البلد في ورشة، وكثر يتحدثون عن المواصفات الرئاسية، والأبرز أن المطلوب مرشح يحترم الدستور ويلتزمه ويضع نفسه تحت القوانين ولا يتساهل مع من يخالفها. متعلق بالحرية والديموقراطية والعدالة، متحرر من المصالح الضيقة، قريب من وجع الناس، يمتلك رؤية وقدرة وكاريزما لتوجيه بوصلة البلد، إقتصادياً وسياسياً بداية كي يستعيد سيادته غير المنقوصة، ويستعيد مكانته بين الشعوب التي ترفض العودة إلى عصور الكهوف والظلام..
طبعاً كل هذه المواصفات تتم العودة إليها، والتأكيد عليها والتذكير بها، لأن الموجود نقيضها ولأن الرئاسة عموماً بعد الحرب الأهلية كانت تخضع لهيمنة خارجية، لا بل ملحقة بهذه الهيمنة، وفي أحيانٍ كثيرة كما نرى مطية لتغول الخارج الطامح بسيطرة مديدة وإن بأداة داخلية ميليشياوية، أنفق عليها الثروات لإقامة داخلي كيان موازٍ، مستقل ومنفصل على كل المستويات، ومرتبط بكيان الوطن لتحاصص البلد وتحقيق المزيد من التغول! وتتم العودة إلى ما يُعدُّ بديهيات، لأن الرئاسة طيلة عقود لم تكن يوماً صناعة لبنانية، لا بل إن منسوب المشاركة اللبنانية في الإختيار كان يتراجع مرة بعد أخرى!
تحمل هذه الطروحات إيجابية دون أدنى شك، فالمطلوب إشتراط الترشح العلني، وتقديم مرشح البرنامج، إلى اللبنانيين، وليس المرشح السري الذي يحظى بتوافق تقاطعات خارجية، يغزيها ويدعمها بعض الداخل، ويتم إسقاطه على الناس وعلى البلد ليكرس وصوله حالة الإستتباع المدمرة للبنان.
بهذا السياق، لا بد لنواب الثورة من المبادرة المزدوجة لتقديم مشروع البرنامج والمرشح المؤهل لحمله في آن معاً، والخطوة ضرورية لكن دون أوهام كبيرة. لذا المنطلق الذي ينبغي العمل عليه، هو وضع معركة الرئاسة في سياق المحطات الرئيسية لبناء البديل السياسي الذي يضمن التغيير. ولم يعد سراً أن الممر الإجباري لبناء البديل السياسي يكمن في العمل الجاد لقيام "الكتلة التاريخية"، التي تجمع المناخ التشريني إلى الكتل الشعبية التي إقترعت لمستقلين، وإلى كتل شعبية واسعة ذات مصلحة بالتغيير، فتكون "الكتلة التاريخية" المعبر عن مصالح حقيقية للمواطنين ومصالح لبنان، والممر الضامن لإستعادة الدولة المخطوفة بالسلاح والفساد والطائفية..
بهذا السياق مفيد إيراد ما كتبه مؤخراً الكاتب والمفكر السياسي اللماح رفيق خوري الذي ناقش فكرة يتم تسويقها بأن الإستحقاق الرئاسي هو المحطة الأخيرة، كما قيل للبنانيين قبلها أن الإنتخابات النيابية هي آخر المطاف فكتب التالي: "والأخطر هو تكرار الرهانات من زمان في الأزمات على أمر واحد، وتصور الخلاص بعده. من الرهان على الخلاص من تحكم "الشعبة الثانية" إلى الرهان على ما بعد الرئيس سليمان فرنجية، ثم ما بعد الرئيس أمين الجميل، ثم على الطائف وما بعد حكومة العماد ميشال عون، ثم ما بعد الرؤساء الذين جاءت بهم الوصاية السورية، ثم ما بعد الإنسحاب السوري والإنسحاب الإسرائيلي، إلى ما بعد عهد الرئيس عون وهيمنة "الثنائي الشيعي".
ويضيف:" سلسلة رهانات بسيطة في أوضاع معقدة تحتاج إلى ما هو أكثر من نهاية شيء واحد، فلا تغيير من دون "كتلة شعبية تاريخية"، ولا معنى للقتال على رئاسة بلا جمهورية".
نعم وحدها "الكتلة التاريخية"، وقد آن أوانها وحلّ زمن قيامها، تفترض عملاً دون إبطاء لقيامها لتضم كل القوى الجديدة ما بعد ثورة "17 تشرين"، دون أن تقطع مع أي جهة جدية، ودون أن تسقط من الحساب ومن الإعتبار، أن الإنتخابات النيابية قدمت الدليل والنموذج. المقترعون عرفوا كيف يقترعوا وقدموا المحاسبة ولا ينبغي إسقاط ذلك من الحساب، والخروج من التوهم أن من يحملون بعض الأسماء باتوا أهلاً لحجز مقعد دائم، وكذلك التنبه إلى بعض الدعوات السريعة والمتسرعة التي توجه إلى نواب الثورة، وما تحمله من فلسفة وترسم ما تدعيه فلسفة الثورة، قد تكون في العمق دعوة مسمومة للدخول إلى النادي، كما أشار الباحت جوزيف باحوط. والمقصود نادي المرتكبين والفاسدين من أصحاب المصالح الآنية والضيقة.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن
الكاتب : الصحفي حنا صالح