لم يفرض الإجتماع الصعود الصاروخي لسعر الصرف بعد تجاوز الدولار حاجز ال32 الف ليرة! بل إن الإجتماع هو نموذج فاقع عن كيفية تعاطي الرئاسة ورئاسة الحكومة مع كل الإنهيارات والكوارث التي تضرب حياة اللبنانيين، وتستخف بالأمن الغذائي للناس، ولم يهمهم أنهم حولوا بعض الشعب الى متسولين، وجزء آخر إنضم إلى شعوب "قوارب الموت".. وشبابه يرتحل إلى المنافي هرباً من الجحيم المطبق على الناس بحراسة بندقية لا شرعية!

صبحية بعبدا، تأتي بعدما زيّت ميقاتي حكومة تصريف الأعمال، في إجتماع عقد في قاعة جانبية في السراي، وخرج بأخطر قرار وهو رفع الدولار الجمركي إلى 20 ألف ليرة وعلى أن يرتفع تباعاً ليعادل سعر منصة صيرفة! لكن من إجتماع حكومة تصريف الأعمال إلى لقاء بعبدا، وبينهما إستفاقة عون على التوجه إلى القضاء ليتحمل مسؤوليته بعد إتهامه بالرضوخ للضغوط من أصحاب النفوذ، في ملف مطاردة رياض سلامة، وأورد أن سلامة مشتبه بارتكابه جرائم مالية خطيرة هي:" إختلاس أموال وتزوير وإستخدام المزور وتبيض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي".. إلى التحقيق في جريمة تفجير المرفأ، فقفز الرئيس فوق مسؤوليته عن إحتجاز التشكيلات القضائية التي عرقلة القضاء وقيّدته، لأنها لم تلبي كل شروطه..بالمقابل، لا يهم ميقاتي إلاّ الشكل، فأولويته إدارة مرحلة الشغور الرئاسي، وهو أول من بشّر باستعصاء إنتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية!
أولوية ميقاتي ليست أولوية القصر التي عبر عنها الصهر الأعجوبة! في ذروة توزيع هرطقات دستورية تشي بالذهاب إلى إنتهاكٍ خطير للدستور بما يعود لما بعد 31 تشرين الأول نهاية عهد إرتهان البلد للممانعة وعزله وإفقار أهله وتذويب مقدراته وتحويله رصيف هجرة لمن تمكن! والواضح أن الهرطقة المحورية تقول بعدم جواز صلاحية حكومة تصريف الأعمال لتولي السلطة مكان رئيس الجمهورية بما "يبرر" لعون المخطط "الإنقلابي" بعد إنتهاء ولايته! ويشاع على أوسع نطاق، أن الرئيس لن يسلم صلاحياته لحكومة تصريف أعمال، ويتناسى المروجون أنه بعد 31 تشرين الأول تطوى الصفحة وما من صلاحية تبقى كي يسلمها المقيم في القصر!
هنا لافت تكرار باسيل المعزوفة إياها كمرشح للرئاسة وعن "القوي" و"الحيثية"، والمضي بالصرع مع جعجع، فبيت القصيد في حملته قوله برفض فتاوى جاهزة: "تتيح لحكومة مستقيلة أن تقوم مقام رئيس الجمهورية في حال عدم إنتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية"! وبعبارة أخرى، لقد كشفوا كل عناوين المخطط الإنقلابي لإحتلال القصر الجمهوري بعد نهاية الولاية ، وهم في السياق منعوا تأليف حكومة جديدة، كان يفترض أن تتألف فور الإنتخابات التي غيّرت الخارطة النيابية، لتعكس الحد الأدنى من التغيير وملاقاة مزاج اللبنانيين، لكنهم مضوا سوية في نهج تجويف المؤسسات والسلطة ويتسابقون على إستكمال دورة الخراب!

وبعد، يعقد نواب الثورة خلوة يوم الجمعة للبحث في الإستحقاق الرئاسي: البرنامج والرؤية والإستقلال والشخصية التي يمكن لها أن تكون العنوان لإنتشال البلد. عظيم، البحث ضروري وكذلك بلورة التقاطعات المشتركة، وهي الغالبة بين النواب ال13، قبل طرح هذه القضية الكبيرة على الرأي العام، كما على الكتل النيابية بعجرها وبجرها! لكن ما لا ينبغي تجاهله، هو ضرورة عدم الرضوخ للتخويف من الشغور الرئاسي. الرئاسة في لبنان كانت شاغرة على الدوام، وبشكلٍ فاقع في كل مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وبلغ الشغور ذروته في مرحلة "العهد القوي" عندما وصل عون إلى بعبدا، فتعاطى مع البلد بوصفه رئيساً لتيار سياسي ليس إلاّ ومن أجل تمكين تياره ترك الرئاسة تحت الإحتلال الميليشياوي!
ليست رئاسة الجمهورية، الآن الآن، آخر المطاف! بل إن المعركة الفعلية تفترض شحذ الهمم والجهود لبناء ميزان القوى الذي يفرض إستعادة الجمهورية حتى تكون الرئاسة! والطريق المفضية إلى ذلك قيام "الكتلة التاريخية" الشعبية، والف باء قيامها خطوات توحد الحالات المناطقية التي إتخذت تسميات مختلفة، وخاضت الإنتخابات تحت عنوان لوائح التغيير، وصب الناس أصواتهم لها من أجل التغيير! على أن تضم حيثيات مختلفة موجودة بينها الكفاءات الكبيرة، وإلى جانبها الحالات التنظيمية التشرينية الجديدة، لأن العبء والضغط سيكون على كاهلها أكثر من سواها لربط المناطق ورفع مستوى المواجهة..اليوم ينبغي الحذر الشديد من دعوات ظاهرها الحرص وباطنها دفع نواب الثورة إلى وجبة مسمومة!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن

الكاتب : الصحفي حنا صالح