لو صحّ ما كتبته "ليبيراسيون" الفرنسيّة في عددها الصادر يوم 23 آب 2022 الحاليّ عن وزيرة الثقافة الفرنسيّة الجديدة اللبنانيّة الأصل ريما عبد الملك (43 عامًا) من أنّها تتحدّر من عائلةٍ مسيحيّةٍ مارونيّة (الصحيح من عائلة مسيحيّة أرثوذكسيّة)، لرشّحتُها (لِمَ لا، وإنْ لم يصحّ عرفًا وتقليدًا ودستورًا؟!) على الفور لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، ولطلبتُ إليها – بحكم المصلحة الوطنيّة والضرورة والواجب والمسؤوليّة و... "المَونة" - أن تستقيل من منصبها الفرنسيّ، لتضع ثقافتها وخبرتها المعرفيّة والإداريّة والوظيفيّة والاختصاصيّة والسياسيّة في خدمة بلدها الأوّل، الذي يحتاج في جملة ما يحتاج إليه، بل أكثر ما يحتاج إليه، إلى مواطنين - مسؤولين يرتقون إلى وظائفهم ومناصبهم وفقًا لمعاييرَ وقوانينَ وأصولٍ وآلياتٍ مستحقّة، باتت في لبنان أثرًا بعد عين، منذ أنْ استولت على "بلاد الأرز" معايير البهبطة والأمّيّة والذمّيّة والانبطاح والإغارة والمافيويّة والتفاهة والسفالة والسلبطة والجهل والفساد والقتل والإرهاب والانتهاز والارتزاق والرشوة، ومذ سقط سلّم القيم والأخلاق في أسن المجارير والمراحيض، وأصبح معروضًا للبيع والشراء في أسواق النخاسة الرخيصة.
ليست غايتي أنْ أكتب للقرّاء اللبنانيّين المنشغلين بهواجس المصير اللبنانيّ والاستحقاق الرئاسيّ عن سيرة هذه السيّدة اللبنانيّة، هي من أين، وإلى أيّ عائلةٍ تنتمي، وأين ولدتْ، ودرستْ، وعاشتْ، وكيف سافرتْ، ولماذا، وأيّ اجتهادٍ اجتهدتْ، وأيّ كفاحٍ كافحتْ، وأيّ ارتقاءٍ دؤوبٍ ورصينٍ وظليلٍ وصامت (أي في الظلّ وبدون استعراضٍ وصخب) ارتقتْ، وأيّ سلّمٍ صعدتْ، لتصل إلى ما وصلت إليه في مؤسّسات الجمهوريّة الفرنسيّة، بدون واسطةٍ من أحد، وبدون التجاءٍ إلى مالٍ وزعيمٍ ومذهبٍ وطائفة. إذهبوا إلى "غوغل"، وشوفوا سيرة ريما عبد الملك، وكيف يرتقي المستحقّون هناك، وكيف يصلون، وكيف يخدمون بلادهم.
لو عدتُ إلى كواليس الاستحقاق الرئاسيّ اللبنانيّ، هنا في بيروت، التي لم يبقَ فيها شيءٌ تقريبًا من معايير بيروت، وعاينتُ الغالبيّة العظمى من "أسماء" المتنطّحين المكشوفين والمتستّرين والمستورين إلى الرئاسة الأولى، "لأقشعرّ" بدن العقل والروح والخفر والخجل – لا بدن الجسم – من فرط الإسفاف والانحطاط (أيعقل أنْ يصير منصب الرئيس رخيصًا إلى هذا الحدّ؟!).
"الّلي بيستحي (بيختشي) مات"، يقول المثل. ألا يستحي هؤلاء "المرشّحون" الموارنة، عندما يمثلون أمام مراياهم؟ ألا يستحون من أنفسهم، من أخلاقهم، من معاييرهم، من ثقافاتهم؟ ألا يستحون من مارونيّتهم، ومن مارونهم، ومن الموارنة الذين قيل فيهم "مجد لبنان أُعطيَ لهم"؟
سمعتُ أحدهم يقول نريد رئيسًا من طراز الياس سركيس. لمَن يعتقد أنّ رئيسًا من طراز هذا الرجل سيكون "ألعوبةً"، أو "دميةً"، أو "مديرًا لأزمة"، يكون واهمًا. أقول هذا لا حبًّا بالياس سركيس، بل احترامًا لشخصه، ولتجربته، ولمعاييره، ولقيمه، ولأخلاقه، ولكيفيّات ارتقائه المستحقّ إلى مناصبه كافّةً، التي ليس فيها ما يندى له جبين، ولعدم قبوله بأيّ صفقةٍ على حساب بلاده وشعبه.
على سيرة الياس سركيس، يا ليت يؤتى برئيسٍ يشبه الياس سركيس يؤمن بالعقل والحكمة والدستور والدولة والقانون والحرّيّة والسيادة والاستقلال والنزاهة والنظافة والإصلاح، ولا يرضخ لابتزاز. و... يعرف لبنان.
أقول بثقة: ثمّة مَن يستطيع أنْ ينهض بالرئاسة بين الموارنة، ومَن يستحقّ، ومَن لا يُستحى به. فتِّشوا عن ريما عبد الملك، عن مثيلاتها وأمثالها. فتِّشوا عن هؤلاء. ولا تفتشّوا عن "خدم" و"خدمتجيّة" و"أقزام". عارٌ على الأحزاب، على الطوائف، وعلى المذاهب، وعلى النوّاب، وعلى اللبنانيّين مطلقًا أنْ يبحثوا عن رئيسٍ (أو يقبلوا برئيسٍ) لا يليق بلبنان.
الكاتب الصحافي عقل عويط