لا يختلف عاقلان في لبنان من ان التأجيل هو سيد الموقف بكل الاتجاهات فلا ملفات محسومة ولا نتائج مؤكدة لأي من عناوين المراحل القادمة لبنانيا" داخليا" ولا إقليميا" وربما تعقيدات الإقليم باتت أكبر من ان يحتمل نتائجها البلد من بلاد الفرات المتدخلة كلبنان وأصبحت مرادفات جديدة تطل على السمع من لبننة التجربة العراقية وصولا" الى عرقنة التجربة الإقليمية. الأكيد ان لا العراق ولا لبنان بخير بغياب حضور الدولة الفعلي و تنفيذ الاستحقاقات الداهمة على كافة المستويات في مراكز السلطة المتنوعة من رئاسة البلاد في العراق وفي لبنان حيث دخلت المهل الدستورية مراحلها الأولى للانتخاب الا ان الدعوة حتى الساعة تبدو بعيدة المنال للوصول الى رئيس كما في العراق ، اما مسألة الحكومة فباتت تشبه سوق القطع فلكل وقت اذان ولا ساعة ملائكتها فتارة تطير البيانات حاملة الثبور و عظائم الأمور و تارة أخرى تضيع الكرة بين اللاعبين الأساسيين بين بعبدا والسراي و على ما يبدو حتى الوسيط القوي بينهما لا يرغب في كسر الجرة مع أي من الأطراف المعنية ، فمع الحليف و هو الرئاسة يرى اللاعب الأقوى ان مازال في الوقت متسع ربما لمزيد من تدوير الزوايا بأخف الاضرار و مرة أخرى الحرص على صورة الحليف القوي في بيئته المسيحية رغم التصدعات الانتخابية الأخيرة ، اما في المقلب الاخر فالسراي وساكنها و المكلف بتدبيرها و حمل تشكيلة وزرائها الجدد يدرك بما لا يقبل الشك حساسية الموقف ضمن بيئته السنية التي تلملم اشلائها بين الحلفاء و الخصوم و يدرك اكثر ان اللاعب الأقوى لبنانيا" لا يرغب بفتن نائمة تعود للحياة تعزف على وتر الفتنة الطائفية (سنية – شيعية) ، من هنا استيلاده الحكومة تحتاج ميزان الذهب وانامل الجوهرجي في ظل التعقيدات القائمة والمتلاحقة من وجود الحكومة الاصيلة لملاء الفراغ القادم في الرئاسة وصولا" الى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي و إقرار خطة التعافي و الكابيتال كونترول التائه في شوارع بيروت بين المقرات حيث لا اب و لا ام له وكلهم يريده على مقاسه و باللبناني التعتير يضرب الناس اليوم وغدا" في لعبة التأجيل المقيتة لحرق ودائع الناس واعصابهم في شهر أيلول شهر يذكرنا بسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة حيث نقتبس من فيلمها إمبراطورية (ميم) لنتحدث عن شهر التأجيل و الترحيل شهر(الميم) حيث الحديث عن المونة و المازوت و المدارس ومعهم (مدخل الرئاسة) و (مفاوضات الترسيم).

ان كل الميمات (جمع ميم ) المتلاحقة لها خط بياني واضح عنوانه التأجيل مع كل ما يحمل من خطورة وحساسية و ربما انفجار ان بالمعنى السياسي كحال الرئاسة العالقة على سلم المواصفات و عدم مقاربات الاستحقاقات و لا التسميات وان للحكومة القابعة في حرب الصلاحيات و انتقالها وفي لعبة سمجة ستجعل من كل وزير رئيس مصغر في حكومة الرؤساء الوارثة و ان بالمعنى الاجتماعي حيث ملفات حياة الناس لا سيما في الأطراف علما" ان الوطن غدا كله اطراف و لا ادل من التقارير الدولية الأسبوعية عن لبنان و اهله فالفقر و الهجرة و مراكب الموت و البطالة و غياب الطبابة و الكفاءات هي العنوان وعليه فان الانفجار الاجتماعي لم يعد ببعيد مع دولار يجتاح الليرة اجتياحا" عند عتبة 35 الف للدولار الواحد امام الليرة والحبل على الجرار فالمؤشرات لتصاعد العملة الخضراء باتت مسالة وقت لا اكثر خاصة بعدما رفع الدعم عن البنزين الذي سيلهب أسعار كل شيء من أسعار الحصول على الدولارات من السوق السوداء بعد غياب منصة صيرفة قريبا" وصولا الى النقل و انعكاساته على كل السلع و حياة الموظفين في القطاعين العام والخاص و الذي سيقضي على القدرة الشرائية المنهارة أساسا" بما يفوق 90 بالمائة والناس على الأرض يا حكم.!!!!!!!

و استكمالا لمآسي الميم يأتي ملف المدراس و الذي يحتاج الى عشرات المقالات حيث الأقساط بالدولار من جهة و غياب الرقابة من جهة أخرى و المدرسة الوطنية امام معضلات الوضع الاقتصادي الذي قضى على الأساتذة وربما الطلاب معهم ومهنة التدريس ككل فلا عيش بلا كرامة واي كرامة للأساتذة مع هكذا واقع و لا ادل من ما دعا رئيس لجنة الشباب والرياضة النائب سيمون ابي رميا الى اعلان حالة طوارئ تربوية من اجل انقاذ العام الدراسي المقبل فالأرقام ببساطة تكشف انهناك 22 % من الطلاب تركوا المدارس بحسب تقرير لوزارة التربية، اذ تراجع عدد المسجلين في المدارس الرسمية من 380 الف تلميذ عام 2021 الى 284 الف تلميذ مسجل عام 2022، اذا 45 الف طالب من اصل 380 الف تركوا المدارس ولا نعلم وجهتهم، قد يكون جزء منه من غادر لبنان ولكن المرجح ان يكون القسم الأكبر منهم ترك الدراسة بسبب عدم قدرة الاهل المادية على تعليم أبنائهم ما اضطر التلاميذ الى البحث عن عمل لمساعدة عائلاتهم، وما يؤكد هذه الفرضية ان 13% من الأولاد تحت سن الثمانية عشرة يعملون لمساعدة أهلهم لانهم باتوا عاجزين عن دفع بدلات النقل الى المدارس او حتى تأمين لقمة عيش لأولادهم للذهاب الى المدرسة.

اما اقتصاديا" و ماليا" مع صندوق النقد و اجتراح الحلول و ترسيميا" على مستوى الحدود مع العدو الإسرائيلي فمن الواضح ان التأجيل سيد الموقف حتى انجاز جملة استحقاقات على راسها الانتخابات الإسرائيلية وما ستحمله مرورا" بالانتخابات اللبنانية الرئاسية و ارتداداتها و انعكاسات الاتفاقات الإقليمية الدولية من فيينا الى الرياض وبغداد وعليه شهر أيلول سيكون شهر تأجيل الملفات حتى اشعار اخر او حدث يليق بفتح الشهية لحل كل الملفات المتشابكة في عالم أساسا" غارق في الركود التضخمي القادم و المتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية وأسواق الطاقة التي جعلت العالم يرزح تحت رحمة بورصة أسعارها.

 

الدكتور محمد موسى اكاديمي وباحث لبناني