في صبيحة اليوم ال1065 على بدء ثورة الكرامة

مرة أخرى أدخلت "مياس" من خلال مشهدية أسطورية لبنان إلى العالمية، بعدما أبهرت العالم وفازت بلقب "أميركا غوت تالنت"، وأدخلت الفرحة إلى بيوت اللبنانيين حتى تلك الباردة، التي ينام أطفالها على الطوى! وقبل "مياس" كان نجوم لبنان في كرة السلة في موقع إهتمام العالم وفخر اللبنانيين.. وسالي حافظ شئتم أم أبيتم بطلة من بلادنا!
كم يفخر المواطن اللبناني بإنجازات أبناء بلده، الذين حافظوا على إسم لبنان كشعلة بين دول العالم وشعوبها، وكم يخجل عند ذكر "منظومة النيترات" الفاسدة الفاجرة القاتلة والتابعة التي ارتهنت البلد، التي ما كانت لتتربع على قلوب اللبنانيين لولا إستنادها إلى بندقية لا شرعية، فأوصل تحالف الشر المافياوي، البلد وأهله إلى ما دون الحضيض!
عندما يعلن فناننا المسرحي زياد عيتاني "لولا المسرح والرقص والأغنية وكرة السلة مين كان سامع بهالبلد"، ويضيف :الساحات والمسارح والشوارع لنا..رافضاً التحريم والتحليل داعياً إلى الفرح، فهو يعبر عن لوعة اللبنانيين حيال منظومة سياسية وضيعة سلطها جيش النظام السوري المحتل على اللبنانيين، وعمق تسلطتها ارتهانها البلد لحزب الله ومن خلفه نظام الملالي. وهو يعرف أن الكفاءات اللبنانية موجودة في كل مجال وميدان، وكلما أتيحت لها الفرصة برزت بقوة وقدمت للداخل والخارج بعض ما يميز هذا الشعب الجبار، الذي صبر حتى تعب الصبر.
كانوا يقولون أن اللبناني يتفوق كفرد وهذه حقيقة، لكن الجديد واللافت أن اللبنانيين يمكنهم التفوق كفريق، هذه رسالة المبدعين في فرقة "مياس" الذين أذهلوا العالم، وهذه رسالة نجومنا في كرة السلة، فريق الشباب الذي إنتقل ينافس باسم لبنان على بطولة العالم، وإلى جانبه حققت سيدات كرة السلة اللبنانية والأشبال الفوز في بطولة العرب!

إنه زمن آخر، زمن ثورة "17 تشرين"، زمن توحد القبضات الذي كان التعبير الأبرز عنه، يوم نزل الناس إلى الساحات وطيلة أشهر لينجزوا أول مصالحة حقيقية بتاريخ لبنان، ويتجاوزوا كل الإنقسامات الطائفية والمناطقية ويتوحدوا بوجه التحالف المافياوي فعروا طغاة لبنان أمام العالم، بحيث لم تعد جهة دولية تأتمن المتسلطين على توزيع كراتين إعاشة. زمن ثورة "17 تشرين"، الذي بشر بأن العمل الجماعي للبنانيين، يؤكد أن لبنان آخر ما زال ممكناً، ويتحقق من خلال عمل سياسي منظم، رسمت خطوط برنامجه ثورة تشرين، وبات ضرورة لقيام "الكتلة التاريخية"، التي وحدها ستبلور البديل السياسي، ومن خلالها سيتحقق ميزان قوى راجح لمصلحة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

أثبت اللبنانيون أنهم على الموعد إن تأمنت عناصر الثقة، وعندما لاحت الإمكانية ذهبوا مئات الألوف إلى التصويت العقابي ضد الطبقة السياسية، متجاوزين حملات التحريض السياسي الواسعة المعادية، وأوصلوا إلى مجلس النواب تكتل نواب الثورة ال13. وما زالوا على الوعد والموعد، وهم وإن لم يستسيغوا بسهولة جولة نواب الثورة على أطراف الطبقة السياسية لمناقشة المبادرة الرئاسية التي طرحها نواب الثورة، فعلى النواب المبادرة إلى مزيد من الشفافية بشأن جولات الحوار وما يتخللها وعدم الإكتفاء بتصريح لأحد النواب بعد كل لقاء أو وعد ببيان عند إنتهاء الجولة. مفهوم الكثير من الإنتقاد الذي تعرضت له جولة تكتل نواب الثورة وكان يمكن التخفيف منها لو جرت عودة إلى الناس، إلى الناخبين، إلى المقترعين والأطر موجودة، لمناقشة المبادرة وما الهدف منها.
الآن الآن مطلوب مزيد من الشفافية، لأن المؤكد أن نواب الثورة الذين إلتقوا القوى الممثلة في البرلمان يعلمون أنه ليس بوسعهم تغيير نهج هذه القوى. كما أنهم لا يراهنون على صحوة ضمير لمن تحكم بالبلد طيلة عقود، ويتحمل المسؤولية الكاملة عن الإنهيارات والإفلاس والفساد، وارتكب جريمة تغطية إختطاف الدولة، وتشارك والآخرين جريمة حماية المدعى عليهم بالجناية في جريمة تفجير المرفأ، وكل الذين لا يتركون فرصة إلاّ ويثبتون قتالهم حتى الرمق الأخير دفاعاً عن قانون الإفلات من العقاب!
مع كل الدعم والتقدير لنواب الثورة، وبينهم رفاق تقاسمنا معاً الحلو والمر، الأكيد أنكم لا تراهنون على إقناع التحالف المافياوي بأفكار تشرين، وتدركون إستحالة الوصول إلى تسوية معهم، وأنتم الأعرف بأنه لن تكون التسوية المستحيلة وفق موازين القوى الراهنة في مصلحة الناس والتغيير..، لذا عليكم مكاشفة الناس ومصارحة ناخبيكم،بكل الخطوات لأن عملكم السياسي نقيض عمل رموز الغرف السوداء. العودة كل يوم إلى الناس ضرورة، لأن ذلك يخدم المشروع السياسي الذي أعلنتم عن تبنيه، وهو قيام "الكتلة التاريخية" الشعبية العابرة للمناطق والطوائف، وكل تأخير يمنح قوى التسلط والفساد والإرتكابات وارتهان البلد الشرعية.

وبعد، سالي الحافظ بطلة مثل عبدالله الساعي وبسام الشيخ، وما إقتحام المصارف إلاّ نتيجة تسلط كارتل مصرفي سياسي سلب جني أعمار الناس. كارتل خطير كان ينبغي أن يكون بكل أطرافه وراء القضبان لكنه يمارس التجبر والقهر وأطرافه يتحدثون عن العفة والأخلاق الحميدة.
عندما يصل المواطن إلى اليأس ويحرم من تعبه وعرقه، وهو يرى "الصفوة" الناهبة تتبغدد بتعبه وهو محروم من حقوقه وعاجز عن تلبية أبسط حاجاته، يصبح ما أقدمت عليه سالي الحافظ هو الطريق. الإفقار مدمر والبؤس لا يرحم، والغريب هو تأخر تعميم نهج إقتحام البنوك، فيما القاصي والداني يعلم أن هاجس المتسلطين قوننة الجرائم المالية المرتكبة من خلال إقرار مشروع قانون "كابيتال كونترول" على قياس مصالحهم!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.

الكاتب والصحافي حنا صالح