في صبيحة اليوم ال1067 على بدء ثورة الكرامة.

يوم "إقتحامات" المصارف، التي غلب عليها السلمية، وحالة الذعر التي سادت القطاع المصرفي، هو نتيجة الزرع الخطير للكارتل المصرفي الناهب المتواطيء مع حاكمية مصرف لبنان والطغمة السياسية، بإقدام هذا التحالف المافياوي على نهب جني أعمار الناس! الإقتحامات التي طالت 9 فروع جعلت قضية المودعين في واجهة الأحداث، وتبين أن مفعول التخدير والكلام السياسي المعسول عن الحقوق فقد صلاحيته، ولا يمكن أن ينجح أي علاج غير تأمين حقوق الناس!
بين طرفة عين وإغماضتها، استفاق أكثر من مليون مودع لبناني على الكارثة! لأشهر طويلة لم يصدق الناس أن جني الأعمار قد سُرق، ولم تصدق مئات ألوف العائلات أن المتسلطين نفذوا هذه المنهبة وتبدلت أحوال الناس فانتقلوا من اليسر إلى العسر! كما لم يصدق الأكثرية الساحقة أن المصرف لم يعد مكاناً آمناً لأموالهم، ولم يصدقوا أن المتسلطين خططوا بدم بارد للمنهبة التي رمت الناس إلى الفاقة والمجاعة والذل!
الأكيد أن الإقتحامات غير قانونية وتصطدم بالقانون والقضاء، لكن السؤال أين كان القانون يوم تم السطو على الودائع؟ أين كان القانون مع طوابير الذل والمهانة على أبواب المصارف؟ وهل هناك أرقام عن الذين ماتوا بأزمات قلبية نتيجة هذه المنهبة؟ وكم تبلغ نسبة المودعين ممن فقدوا جني 40 عاماً ويزيد هم الآن على فراش الموت ؟ ولماذا عطلت محاكم التنفيذ أحكام صدرت لصالح مودعين، ولماذا لم يستعد أي مودع وديعته إلاّ في الخارج عبر أحكام مبرمة صدرت عن القضاء البريطاني وسواه في أوروبا؟ وهل تساءل من بيده الأختام أنه ندما يُمنع القضاء من القيام بدوره بإصدار أحكام عادلة تعيد الودائع إلى أصحابها ماذا يفعل المودع؟ وعندما يتم تعطيل قرار شورى الدولة وقف العمل بالتعاميم يصدرها سلامة، لحمتها وسداها، تذويب الودائع على سعر 3900 ليرة و8000 ليرة للدولار ماذا يفعل المودع؟ وعندما يتبين أن أولوية المتسلطين إقرار قوانين عفو عن الجرائم المالية، شبيهة بقانون العفو عن جرائم الحرب، ماذا يفعل المودع؟
بالسياق خطيرة التهديدات التي أطلقها وزير الداخلية عنما حمّل المودعين المسؤولية عن تهديد الإستقرار، وتأكيده أن أجهزته ستحمي النظام والمصارف(..)، فعن أي إستقرار يتحدث القاضي المولوي ويعرف أن الإستقرار الإجتماعي مفقود وهو أساس كل إستقرار..أما التعهد بحماية مرتكبي الجرائم المالية فهذا ما تقوم به السلطة، وأكده ما صدر عن النائب العام التمييزي الذي لم يرى غضاضة في نهب جني أعمار الناس! فقفز إلى تسطير إستنابة إلى الأجهزة الأمنية يطلب ملاحقة "الأفعال الجرمية" المرتكبة داخل المصارف؟
لقد إشتعلت المسألة الإجتماعية، وتنذر بمضاعفات، وفجرها غياب العدالة المريع، الذي يكاد يشمل كل شيء بدءاً بجريمة تفجير المرفأ وما نشهده من محاولة آثمة لقتل الضحايا مرة ثانية وتفجير بيروت مجددا، إلى الودائع المسروقة، وكل تفلت يتحمل مسؤوليته التحالف المافياوي إياه الذي غيّب القضاء وأبعده عن القيام بدوره، ما حفز الموجوعين على السعي لأخذ حقوقهم بأنفسهم.. ما زالت الفرصة مؤاتية للعلاج بإطلاق عملية شفافة لهيكلة القطاع المصرفي، مترافقة مع تلبية جزئية مبرمجة للحقوق، تفترض إرغام الكارتل المصرفي على إعادة بعض ما هرّبه إلى الخارج، فذلك سيشعر المواطن أن حماية حقوقه ممكنة.

2- موازنة جمع الأرقام التي تحمل كل مضامين تعميق الإنهيار كان لا بد أن تسقط في الجلسة النيابية المسائية، عندما تم إفقاد النصاب. الموازنة مرآة لما ينبغي أن يكون عليه البلد، وليست عملية محاسبية بأرقام وهمية، إستسهل من وضعها فرض الضرائب غير المباشرة لإثقال كاهل المواطن العادي بالأعباء مقابل حماية الثروات والإقتصاد الريعي عبر إستبعاد الضرائب المباشرة، وعبر تجاهل المبدأ الأساس: لا إقتصاد حر بدون عدالة! وفوق كل ذلك بعد كل الإنهيارات قدموا موازنة أرقام تتجاهل الأساس ألا وهو الإصلاحات!

3- ما زال الوقت متاح أمام نواب الثورة لتقديم صورة شفافة عن المبادرة التي طرحها تكتل نواب التغيير. صحيح أنه قبل المبادرة كان الحديث السياسي يتمحور حول عنوان من هو مرشح حزب الله لتسلم رئاسة – واجهة؟ وبعد المبادرة بات الحديث على من تنطبق المواصفات الرئاسية التي تساهم بإنقاذ لبنان؟ طبعاً الفارق جوهري والمبادرة هي حقيقة هامة وفي موقعها.
فات نواب الثورة النقاش المسبق بالعناوين والمضامين مع فعاليات وقوى تشرينية مؤثرة ساهمت في صناعة الإنتصار النيابي.. وسد النقص لا يكون إلاّ بممارسة أعلى الشفافية بالتوجه إلى الناس، من أقترع للتغيير ول"17 تشرين" كما لكل اللبنانيين، ببيان عن كل لقاء ماذا طرحتم وكالة عن ثورة تشرين؟ وماذا كان الجواب؟ وعبث أي خطوة تستسهل الإلتفاف على موجبات التعامل بشفافية مع الناس.
من هذه الخلفية تنظر الأوساط التشرينية بريبة وتوجس إلى الدعوة التي صدرت باسم "التكتل" وهي بحقيقتها عن بعض أعضائه، للقاء مع منصات صوتية و"مجموعات" إنتهت قبل الإنتخابات، بعدما فضح دورها كل المسار التشريني، وأثبتت الحياة أنها في الغالب تسميات ل"قوى وهمية" لعب بعضها أدواراً تخريبية، أو واجهات لقوى معادية للثورة .. والطريف أن عنوان اللقاء"شرح المبادرة الرئاسية الإنقاذية"!
"الشرح" كان مطلوباً قبل بدء الجولة، ومع الفاعليات الحقيقية على الأرض وهي معروفة، ولو تم، كان يمكن له أن يخفف من موجة الإستنكارت الكبيرة التي عمّت التشريننين، وهم يرون في بعض اللقاءات وكأن نواب الثورة تحولوا إلى وسيط محايد! وحدها الشفافية بالتوجه إلى كل اللبنانيين هي الآن البديل، أما المضي في مهزلة دعوة ممثل عن كل منصة صوتية فهذا أمر معيب يجب التراجع عنه والتراجع عن الخطأ فضيلة!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.

الكاتب والصحافي حنا صالح