في صبيحة اليوم ال1074 و1075 على بدء ثورة الكرامة
صورية باتت كل المناصب الرسمية في لبنان. الرئاسة الأولى واجهة ولزوم علاقات عامة فيما القرار في مكان آخر، ومنذ زمن تم تجويف رئاسة الوزراء التي ترك لها الموافقة على القرارات التي تتخذ خارج المؤسسة التنفيذية الأهم، فيما رئاسة البرلمان مطوبة للتعبير عن إرادة مذهبية تعمل لمشروع إقتلاع البلد..
كل ذلك ما كان ليكون، لولا نجاح مخطط إختطاف الدولة وإحتكار قرارها، وإحلال نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي مكان الدستور، فجرى تحت أعين اللبنانيين تنفيذ مبرمج لهدم الدولة على مراحل، مع ترك الحبل على غاربه أمام بدعة "الثلث المعطل" وتوجت ببدعة التوقيع الثالث فبات لوزير يمثل الثنائي المذهبي حق الفيتو على كل السلطات لأنهم رضخوا بجعل حقيبة المال من حصة الثنائي المذهبي رغم أنف الدستور! كما اتسع التشكيك بالهوية، وتعمق منحى تشويه الثقافة وتشويه التعليم، ويشهد لبنان تغييراً ديموغرافياً متلاحقاً، تعبر عنه الهجرة الكثيفة التي تجاوزت رقم ال320 ألفاً منذ نهاية العام 2019، ويشهد إنتقالاً حثيثاً لأوساط لبنانية إلى قوافل شعوب "قوارب الموت"!
تم إنتشال أكثر من 90 ضحية من قارب الهجرة غير الشرعية الذي غرق في البحر السوري قبالة جزيرة أرواد، والبحث عن الجثث مستمر، وحتى الآن فشلت الجهود لإنتشال نحو 40 جثة من مركب الموت الذي غرق قبالة طرابلس، وشهدت الأشهر الماضية موجة من مراكب الهجرة التي إنطلقت من طرابلس أو المنية أو عكار ولم تنطلق مرة واحدة من البترون أو جبيل أو جونية أو بيروت أو الجية والدامور وبقية مدن وبلدات الجنوب.. واللافت أن الفواجع لم تعطل أبداً هذه الهجرة!
وعلى الدوام حملت "قوارب الموت" نماذج يائسة تعيش في ظلّ بؤسٍ معيشي قاتل، وسُدّت أمامهم الأفق، مع بطالة مديدة وغياب أي فرصٍ للعمل، ووجد بينهم من يروج لمثل هذه الهجرة، فاعتبروا البحر أرحم بهم من البر الذي بات جحيماً لهم، خصوصاً بعدما فعلت السياسات المتبعة فعلها في "دعشنة" بعض الأوساط، وبعد ما يعرفه كثيرون ويتلمسون نتائجه مع وجود أعداد غير محددة في السجون متروكين بلا محاكمة وبلا حقوق، وفي زمن الإنهيارات المخيفة على كل الصعد باتوا عراة أمام مخاطر الموت!
الهجرة المتزايدة منذ نهاية العام 2019 وما نشهده من تهجير من مناطق الشمال ويطال لبنانيين ولاجئين فلسطينيين وسوريين يفعل فعله في إحداث عملية تغيير ديموغرافي، لم تتسع بعد في لبنان مثل ما جرى في سوريا والعراق ولكن الأمر ممكن جداً، وخطير جداً، وبالنهاية هو أمر مدبر ومبرمج ويستحيل أن يكون هذا الإتجار بالبشر من فعل قلة من العصابات الإجرامية، بل إن الخطورة تكمن في أن مثل هذا المنحى ما كان ليتم لولا الحمايات السياسية والأمنية لمرتكبي الجرائم المنظمة والشراكة معهم!
طبعاً كان على لبنان أن يعلن الحداد عدة أيام على ملكة الإنكليز، لكن لم يرف جفن مسؤول أمام هول هذه الفاجعة وتكرار الفواجع المتشابهة. فرئيس الحكومة إبن طرابلس التي تشهد نزفاً دامياً وإبن الشمال المستهدف أكثر من سواه، لم ينبت ببنت شفة ومثله بقية المتسلطين..حتى أن الإجتماع السني الذي إستضافته دار الفتوى فاته الوقوف دقيقة صمت على الضحايا وخلت الكلمات والبيان الصادر عن المجتمعين من أي إشارة لهذه القضية الخطيرة.. لكنهم تحدثوا عن الطائف والدستور ومواصفات الرئيس ووجد النواب في القضية الفلسطينية ضالتهم فغطوا تجاهل كل إشارة إلى القرارات الدولية التي دعمت وحدة لبنان وسيادته وإستقلاله مثل القرارات 1559، و1680و1701 وهي قرارات بنيت على وثيقة الوفاق الوطني والدستور.. فبالله من يهدد وثيقة الوفاق الوطني ومن يهدد السيادة ويمعن في حكم البلد بالبدع فارضاً تعليق الدستور!
في الإجتماع التقى نواب من كتلة حزب الله وعدد من ودائع النظام السوري إلى وجوه أخرى وكل هؤلاء شركاء في سياسات إستباحة السيادة وإنتهاك الحدود، وهم جزء من القوى التي تستهدف الطائف. وقد طالب زعيم حزب الله مؤخراً بتعديلات دستورية مخاطرها أن الذهاب بها وهذا أمر ليس سهلاً، قد يكون بداية لقلب صفحة وثيقة الوفاق الوطني والخروج الكامل على الدستور! إلى ذلك معروف جيداً من هي الجهات التي حولت لبنان منصة عدوان ضد الأشقاء العرب ومنصة تهريب للسموم – الكبتاغون- التي تنتج في الأراضي السورية بشكلٍ رئيسي. ونفتح مزدوجين كي نشير إلى أن الكونغرس الأميركي يناقش وضع قانون لمكافحة هذه الآفة في سوريا، على غرار القانون الذي إتخذه قبل نحو من عقدين لمكافحة تهريب المخدرات من كولومبيا.
وبعد، بعض المؤيدين وربما المروجين لمثل هذا اللقاء المذهبي لم يجدوا من تعليق على أعماله إلاّ التمني بالتعويض مستقبلاً بأن تكون مثل هذه الإجتماعات "بسقفٍ أوضح وأعلى.. ولو على حساب الإجماع"!
وبعد، تحية إلى النائبين إبراهيم منيمنة وحليمة قعقور فقد كانا في طرابلس والمنية وعكار ومخيم البارد يسعيان لبلسمة جراح الموجوعين، وقفوا مع الناس التي تعاني، واستمعوا وناقشوا ونبهوا إلى مخاطر ما يجري وأبعاد عمليات التهجير.. والقضية تتطلب تضافر الجهود المحلية مع نواب الثورة لإنتزاع بعض ما يمكن أن يحمي رغيف الناس ويفرمل الإستهداف السياسي والأمني لمناطق بعينها.
ليكن واضحاً أن من يتجاهل مكمن الوجع لا يعول عليه للبناء . "قوارب الموت" وصمة عار على جبين كل مسؤول في أي موقع كان، مع مفعول رجعي أي منذ عقود عندما تجاهل أهل الإستبداد مسؤوليتهم عن تأمين حدٍ أدنى من الحماية الإجتماعية، فتوسعت الهوة، وبدأ أصحاب مشاريع الإقتلاع والتغيير الديموغرافي الإستثمار في هذا الواقع.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن
الكاتب والصحافي حنا صالح