في صبيحة اليوم ال1112 على بدء ثورة الكرامة

خرج على سجادة حمراء. خطاب مفكك توجه به إلى تياره وهو الذي لم يكن يوماً رئيساً فعلياً إلاّ لفريقه! وأبرز ما فيه أنه سكن القصر ست سنوات لكنه لم يكن الرئيس بل "زعيم" معارضة(.. ) ومن إنتظركلمة إعتذاراً باسم العهد الذي شهد إذلال اللبنانيين خاب أملهم. الفراغ الطويل ورمز التعطيل سلّم الشغور ومشى بعد إفراط لا مثيل له بتوزيع الأوسمة على الأتباع!
استقل الليموزين الرئاسية وغادر إلى الرابية، إلى قصر ال6 ملاين دولار، بعدما خلّف وراءه إنهياراً هائلاً! فقد دخل القصر وسعر صرف الدولار 1500 ليرة وخرج والسعر 40 ألفاً. وصل إلى بعبدا وحجم الودائع أكثر من 100 مليار دولار فصفر كل شيء، لأن النهب في العهد الميمون طال جني أعمار الناس. وكان الحد الأدنى للأجور 450 دولاراً فبات نحو 15 $. وتسلم الرئاسة والكهرباء 16 ساعة فصّفرها، بعدما رتب فريقه ديوناً على الكهرباء بحدود ال50 مليار دولار!
دبجوا الخطب والمقالات عن العهد القوي والرئيس القوي، لكن قوته تمثلت في تحوله إلى الأداة لتوغل الدويلة فغطى إختطاف حزب الله للدولة. هو بين ابرز من اتهموا في تغطية جريمة الحرب ضد لبنان: جريمة تفجير المرفأ وبيروت، جريمة أحدثت إبادة جماعية ودمرت قلب العاصمة. جريمة ما كان يجب أن تقع، فبين أيدي الرئيس وكبار المسؤولين، كانت كل التفاصيل عن شحنة الموت في المرفأ، لكنهم غطوا الجريمة ومن وراء الجريمة، وتركوا الناس تنام وتحت الأسرة ما يعادل قنبلة نووية.. وحتى لحظة الإنفجار الأول كان يمكن توجيه نداءات للناس لتغادر المنطقة لكن أحداً لم يفعل..ثم كان التآمر على القضاء والتحقيق العدلي المعطل تعسفاً، ولم يتوقف في خطبته إلاّ عند بعض الموقوفين لأنهم من الأتباع ووحده القضاء يبت بأمرهم، وتجاهل كل الحدث الخطير! عفواً ليس كل شيء، فقد أبلغ الناس أن رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود، الذي رفض الإبتزاز، مجرم خطر يتحمل مسؤولية عرقلة التحقيق في جريمة إغتيال المرفأ والعاصمة، لكن الحمدالله لم يتهمه بتدبير تفجير بيروت!

في خطبته هاجم منظومة الفساد التي إنتخبته وأوصلته تحت وطأة التعطيل الذي فرضه حزب الله، وتحت وطأة الترغيب بكل ما تريد من محاصصة وتعميق للفساد،، قدم نفسه شخصية معارضة وكأنه كان متنكراً ست سنوات بلباس رئيس الجمهورية،،ويوم توزيع المغانم، من جيوب المواطنين، إقترح من خارج جدول الأعمال التمديد ولاية جديدة للفاسد رياض سلامة وظن أن إنقلابه عليه يغطي دوره ومسؤوليته.

وأبى إلاّ الدفع نحو ما يريده صهره "الهيلا هيلا هو" فراغاً دستورياً، فوقع وثيقة قبول إستقالة الحكومة، في خطوة هي لزوم ما لا يلزم. فالحكومة إعتبرت مستقيلة من لحظة إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية وتسلم برلمان 2022، ولا قيمة للقرار الفرمان لأن الحكومة مطالبة بتصريف الأعمال والحياة لا تقبل الفراغ ولا يمكن تعطيل المؤسسات كمرفق عام معني بكل صغيرة وكبيرة. ووفق العالم الدستوري الفرنسي "ليون دوغوي" إن الحكومة "قانونية كانت أم واقعية بإمكانها أن تقترح مشاريع القوانين من أي نوعٍ كانت، عادية أو دستورية إذا إقتضى الأمر في أي من حالات الضرورة القصوى. ومجلس الوزراء المناط به صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، في إستطاعته ممارسة كل الصلاحيات التي يمارسها طبيعياً رئيس الجمهورية  باستثناء حل مجلس النواب أو توجيه الرسائل إليه".

كل ما جرى في الساعات الماضية، وستكون له تتمة، يعكس جريمة تعطيل الدستور وحكم المافيا للبلد إستناداً إلى الفتاوى والبدع، وإحلال نظام المحاصصة الحزبي الطائفي مكان الدستور. لكن في 17 تشرين 2019 حدثت أعمق ثورة عرفها تاريخ لبنان، لأول مرة برزت وحدة الناس الموجوعة، ولأول مرة توحدت القبضات وتقدمت النساء الصفوف في كل لبنان بوجه منظومة الفساد والشعار المحوري: سنستعيد حقوقنا ولن تفلتوا من دفع الثمن..

كانوا في كل لبنان على الموعد في 15 أيار 2022، مع أكبر تصويت عقابي من نوعه. لأول مرة بتاريخ الإنتخابات وصلت كوكبة من النواب إلى البرلمان يعكسون النسيج التشريني، والألوان الحقيقية للثورة، التي سرعان ما تكوكبت تحت شعار إستعادة الدولة المخطوفة بالسلاح بعد الفساد والطائفية، وحتمية قيام سلطة مستقلة عن المافيا الناهبة المتسلطة، لتقود مرحلة إنتقالية تعيد العمل بالدستور ووقف التطبيق الإستنسابي للقانون. وبالرغم من ثغرات في الأداء، وممارسات مستهجنة من جانب بعض هؤلاء النواب، بينت تجربة الفترة القليلة الماضية، أن لا أولوية تفوق أولوية إعادة الإعتبار لميزان القوى في البلد ووقف الإختلال الوطني، وهو ما مكّن حزب الله من فرض أجندته باقتلاع البلد وإلحاقه بمحور الممانعة.. 
واليوم أكثر من أي وقت تبدو الحاجة ملحة لبناء الأسس المنظمة والحزبية أفقياً، التي يستند إليها تحقيق العنوان الأهم، قيام "الكتلة التاريخية" التي يمكنها بلورة البديل السياسي وإنتشال لبنان ليعود الوطن الصالح للعيش والأحلام.

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن

الكاتب والصحافي حنا صالح