فليكن موعدنا اليوم في الثورة، الثورة التي لا أعرف من دعا إليها ولا من يشارك فيها. 

أريد أن نخرج إلى العلن، أن نصرخ بحبّنا للوطن وسط الجماهير الغاضبة، أن نكشف وجه علاقتنا الجميل في بقعة شوّهها الحقد والغباء والجهل، أن نتبادل قبلة طويلة على وقع موسيقى تصويريّة جمعها موزّع موسيقيّ شابّ من أصوات الناس الحزانى، وأنينهم المكتوم، وبكائهم الصامت، وطعّمها بأناشيد ثوريّة لفنّانين من غير سادة العهد القديم...

فلنلتقِ اليوم في وسط العاصمة المنكوبة، تحت أنظار قتلة الأطفال وهادمي البيوت وسارقي لقمة العيش ومشرِّدي العجزة...

فلنتعانق بالنيابة عن الأمّهات اللواتي لم يستطعن أن يحضنّ جثامين فلذات أكبادهنّ المحروقة، وعن الآباء الذين يقتلهم عجزهم عن حماية أولادهم...

فلتكن قبلة طويلة من عمر حروبنا الداخليّة الصغيرة ومؤامرات العالم الكبيرة علينا، وبقوّة مجموع الانفجارات التي مزّقت الناس منذ بداية الحرب، وبحنان السماء حين تمطر فوق حرائق غاباتنا التي لا يريد لها أحد أن تنطفئ...

فلتكن قبلة جريئة أمام كاميرات وقحة، وناعمة أمام قلوب قاسية، وبريئة أمام أعين ظالمة...

ارتد قميصك الأزرق، وسألبس فستاني الأخضر، ولنلتقِ سماء وأرضًا، بحرًا وحديقة، ولننجب وطنًا لأطفال من عمر مايا وربى نبيل عازار اللتين قتلتا وقضتا غرقًا في مثل هذا اليوم 8 آب من العام 1989 وكان الجنرال ميشال عون قائدًا للجيش، وألكسندرا نجّار التي قضت يوم 7 أب 2020 متأثّرة بجراحها إثر انفجار مرفأ بيروت وكان الرئيس ميشال عون قائدًا للبلاد... لننجب وطنًا لملايين الأطفال في عالم لم يعد فيه للحبّ مكان سوى في زوايا الغرف وخلف شاشات الهواتف.

موعدنا اليوم في الساحة، لنزرع قبلة حيث زرعوا قنبلة، لننثر حبًّا حيث ألقوا حربًا، لنغسل بمياه رغبتنا الطرقات من الدماء...

لن نتكلّم، لن ننطق بكلمة، لن نهمس، سنبكي بصمت ونتبادل قبلة طويلة، هادئة ثمّ شبقة، عنيفة ثمّ ناعمة، هكذا فقط، هكذا سنثور ونغضب، وننسى أنّنا قد نصاب بالكورونا، ولن نتذكّر سوى أنّنا شبعنا من الموت مئة مرّة في اليوم، ونريد أن ننتحر بجرعة زائدة من الحبّ، أن نموت كما كان يفعل العشّاق، بلا سؤال عن طائفة ومذهب ولون وعِرق وحزب وعائلة...

لاقني اليوم في الثورة، ضع نقطتي عطر وسأضع نقطتي دمع، فآخذ نَفَسًا وأنا أشمّ عنقك، وأعطيك عينين تريدان أن تصبّا ماءهما على صدرك. 

لاقني اليوم... فنستعيد بيتًا مهدّمًا ونسترجع وطنًا مفقودًا، وحين تفترق الشفاه على مضض، تتلاقى العيون، ونرى تماثيل زعماء تتهاوى، وزعماء دمى تتقطّع خيوطها، وسجونًا يخرج منها الفقراء ويدخل إليها المتخمون، وإعلاميّين أبواقًا أثرياء يحفرون قبورهم ليختفوا فيها خجلًا، ورجال دين يجمعون الذهب والفضّة ويحاولون الهرب، ومصرفيّين يدقّون الصدور ضارعين لترتفع اللعنات عن أولادهم وأحفادهم... ونبتسم، نبتسم لشهداء نعرف أنّهم يثورون معنا، ثمّ نضحك، نضحك لجيل شابّ يسامح شيبتنا التي ضيّعناها في تصديق الوعود، والتصفيق للزعماء، جيل شابّ ثائر واعد واع مثقّف معطاء، يستلم زمام الأمور ببركة قبلتنا ولقائنا، الذي هو الأوّل ولا يهمّ بعد ذلك إن كان الأخير...

ماري القصيفي كاتبة واديبة لبنانية