لو كان لي أنْ أنتخب رئيسًا للجمهوريّة، لانتخبتُ الفوتبول، ومونديال الفوتبول، رئيسًا للعالم.
ليس القصد أنْ أهين الرئيس، ولا مقام الرئاسة. بل تعيين الانحطاط في السياسة مطلقًا، وخصوصًا اللبنانيّة، ومعها انحطاط طبقتها السياسيّة الخرقاء.
الفوتبول. نعم الفوتبول. لأنّه موهبة، ومتعة. ولأنّه عزاء. في زمنٍ لبنانيّ تنعدم فيه الموهبة، والمتعة، والعزاء.
على سبيل المثل: إنّي لعلى استعدادٍ من أجل الفوز بلحظة ضربة جزاء (بنالتي) أنْ لا أهرق لحظةً من حياتي ووقتي وبصري وانتباهي ومشاعري على مشهدٍ لجلسةٍ نيابيّةٍ عامّة، رئيسًا وأعضاء، او على برنامجٍ تلفزيونيّ يتحدّث عن السياسة والانتخاب ومواقف الأطراف السياسيّين.
إذا كان ثمّة وقاحةٌ في كلامي، فهي وقاحةٌ "بدائيّةٌ" للغاية، ومن باب "ردّ الجميل" حيال "عبقريّة" الوقاحات السياسيّة التي دمّرت كلّ معيار، وهتكت كلّ كرامة، ومعست كلّ معنى.
كلمة "وقاحة" لا توازي ما آلت إليه السياسة في لبنان، وما انتهى إليه السياسيّون، والمعنيّون بالشأن العام. سَمِّ ما يجري عهرًا، إنّ العهر لقليل. سمِّهِ عربدةً. بذاءةً. هرطقةً. إدقاعًا. انحطاطًا. أمّيّةً. فجورًا. إلى آخره. صدّقني أيّها القارئ، لا وصف "يليق" بالرؤساء بالنوّاب بالوزراء بالقادة بالزعماء بالأطراف. لا وصف.
أجلس وراء شاشة التلفزيون، ملاحقًا قنوات bein sport، فأنسى أنّ عندنا هؤلاء المذكورين أعلاه.
ليس النسيان ما أريد تعيينه، بل الشعور بالخلوّ، بالشغور، بالخواء، بالعدم.
مباراة واحدة في المونديال، أو في الليغا، أو في البروميير ليغ، أو لفريق البرازيل، أو بين أولادٍ حفاة في حيٍّ فقير في أحد بلدان أميركا اللاتينيّة، في ملعبٍ شعبيّ على مقربةٍ من "الماراكانا"، "أبيع" بها كلّ هؤلاء الذين يعومون في مراحيض السياسة اللبنانيّة و"استحقاقاتها" الرئاسيّة، وغير الرئاسيّة.
... ولا يزال ثمّة مَن يمدّ رجليه من الشبّاك، ويضع ورقةً بيضاء في صندوق الاقتراع، وثمّة في المقابل من يبتدع عباراتٍ إنشائيّة سخيفة، أو مَن يحارب الطواحين لكن من دون أنْ يكون ثرفانتس ولا بطله دونكيشوت أو حتّى سانشو، تابع هذا الأخير. هذا كلّه، في "مونديال لبنانيّ" من الاستخفاف "السياسيّ" (والأخلاقيّ) بالناس، بالحياة، بالألم، بالوجع، بالفقر، بالمرض، بالجوع، بالتشرّد، بالتهجير، بالسرقة، بالفساد، باليأس، بالانتحار، بالموت، وبالقتل العمد.
ليس الفوتبول في منأى من فساد السياسة ومن انحطاط أخلاقيّاتها. حضرتُ قبل أيّام تحقيقًا مبكّلًا، لكن مشينًا، عبر "نتفليكس"، عمّا يُرتكب في كواليس "الفيفا" من فضائح.
إنّي عارفٌ بانحطاط الشرط البشريّ برمّته، وبفساد الانسان مطلقًا. لكنّ لحظة متعة موهوبة، أو "انخطاف"، أو "فرار"، واحدة، يتيحها لي عالم الفوتبول، لجديرةٌ باعتبارها نوعًا من "الانتقام" الزهيد لحياتي الذاهب بعضها إهدارًا على أيدي هؤلاء القتلة.
... إذا كان الفوتبول ومونديال الفوتبول ينتقمان لي هذا الانتقام من "مونديال التفاهة السياسيّة اللبنانيّة"، فكيف بالشعر؟!
الكاتب والصحافي عقل العويط