في صبيحة اليوم ال1138 على بدء ثورة الكرامة
الشغور الرئاسي سيكون طويلاً، وجلسات البرلمان خلال كانون الأول ستكون سريعة شكلية تستنسخ ما سبقها، فحدود الإنقسام بين "معارضة" النظام و"موالاته" تم ترسيمها بدقة من خلال حجم الأوراق البيضاء لفريق حزب الله، وحجم تأييد معوض لمعارضيه.
حتى أن إكتساب فريق حزب الله صوتاً جديداً، صوت الأفندي فيصل، ويراهن على الطعون المتبقية لمزيد من الأصوات، بات ذلك من الممارسات المفضوحة التي تكشف عن نوعية "التدخلات السياسية" في عمل المجلس الدستوري، فإن المشهد العام لن يتبدل بنسبة كبيرة، لا بل إن مأزق المتسلطين سيتطلب الكثير من الوقت ل"إقناع" الآخرين بضرورة الموافقة على مرشح حزب الله! هنا من الضرورة الإنتباه أن ما يطلبه حزب الله أبعد من "التوافق" على مرشح ما، بل نيل الموافقة على مرشحه بالذات، الذي إختاره للإقامة في بعبدا ، بما يكرس واقعاً بدأ يعيشه البلد منذ حكومة القمصان السود التي شكلها حزب الله وجأ بميقاتي لرئاستها، إنه واقع الخلل الوطني في ميزان القوى، وهذا الخلل لا يتعدل بتحريض طائفي أو نجاحات نيابية ما تأمنت إلاّ بفضل قانون إنتخابي مذهب الإنتخابات ومنح نواباً لفريق أكثر من الآخر، فالأمر يستحيل ترجمته وصرف نفوذ أي تكتل نيابي في القضايا الرئيسية فكيف في الإستحقاق الرئاسي؟!
2- ما زالت الفرصة قائمة بقوة أمام تكتل التغيير الذي تجاوزت خسارته إخراج الآدمي رامي فنج بضربة من "الدستوري"، لأن يخرج من لعبة أسماء أطراف النظام وألاعيبه، وفي نفس الوقت المضي معاً(معارضة النظام وموالاته) في تدمير حياة اللبنانيين وموازنة الفساد واللصوصية مثال مدمر. لقد سبق إخراج فنج تموضع وضاح الصادق في مكانه الحقيقي، وكذلك ما يشي بتموضع شبيه أقدم عليه كل من النائبين ضو وعون، حيث يبدو جلياً تجاهل أبعاد رسائل البنك الدولي، وكذلك ما أكده مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان، أوليفيه دو شوتر. فإن قوة التكتل، بما يضم من نواب يمثلون ثورة تشرين، لم تكن بالعدد ولن تكون، لأن الحيثية ليست عند هذا النائب أو ذاك، بل بمن يمثل وبمن أوصله، أي بالألوف المؤلفة من المقترعين الذين إنتقلوا إلى الرفض المدوي لسلبطة نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي.
نعم الفرصة قائمة لإعتماد البديل على طريق كسر الخلل بميزان القوى الوطني، ولا يكون ذلك ممكناً إلاّ بالعودة إلى الناس، لإستعادة الوضوح، كما يؤكد دوماً سمير قصير. عندها يبدأ بناء قوة المواجهة مع الناس ومن خلال حمل قضاياها. أول القضايا اليوم الطعن فوراً بما حملته موازنة الإفقار والإذلال من ضرائب مخيفة ووضعت صفر ضرائب على الذين "تملكوا" الأملاك البحرية والنهرية والمشاعات، وأولها أيضاً الطعن بالمنهبة المتأتية عن تسعيرة الكهرباء التي تمت مضاعفتها عدة مرات، وبالأخص الزيادة الكبيرة في قيمة الإشتراك ورسم العداد الذي يضاهي مصروف الأسرة حتى ولو لم يتم تأمين الكهرباء إلاّ ساعة واحدة!
3- برسم الحالمين بإمكانية التعامل مع بعض المنظومة المتسلطة، ممن يراهنون أن الإبداع في النقاش من شأنه أن يقدم الشأن العام على المصالح الخاصة. الجواب على الذين يريدون أن يجربوا أعلنه الموفد الأممي أوليفيه دو شوتر، الذي وثّق بدقة ما يرتكب في لبنان من جرائم ضد الإنسان، جرائم ترتكبها كل يوم طبقة سياسية من اللصوص تميها بندقية لا شرعية مقابل تغطيتها إختطاف حزب الله للدولة وارتهان لبنان لمحور الممانعة!
قال مساعد أمين عام الأمم المتحدة أنه تمكن من تقدير أن 43% من أصول المصارف "في أيدي أشخاص مرتبطين سياسياً" ، أي مرتبطين بمنظومة النيترات. ويضيف أن 18% من البنوك التجارية ال20 يسيطر عليها مساهمون مرتبطون بالطبقة السياسية! وأن "ممارسات مصرف لبنان إنحرفت عن المعايير الدولية"، خصوصاً لناحية التعتيم على صافي الإحتياطات السلبية التي تبلغ مليارات الدولارات! وهذه الخسائر أدت إلى تبخر أموال المودعين الصغار.. وأن مصرف لبنان خارج أي محاسبة أو مراقبة أو أي تدقيق ولم يمثل أمام أي لجنة برلمانية!
وبعد هل هناك من سر لماذا لم يقر في وقته قانون كابيتال كونترول؟ ولماذا حولوا قانون رفع السرية المصرفية إلى قانون منع المحاسبة والملاحقة عن مرتكبي الجرائم المالية؟ وهل يكون الوفاء للناس وحماية حقوقها وودائعها بالتفاوض مع ممثلي الكارتل المصرفي في البرلمان و"التحالف" معه؟!
الناس ستحاسب ولن تجامل وما بعد 17 تشرين ليس كما قبله والآتي ليس بعيداً.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح