في صبيحة اليوم 1144 على بداية ثورة الكرامة

تزامنت الجلسة النيابية الثامنة لإنتخاب رئيس للجمهورية مع بدء تطبيق رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة. وتكشف جوانب خطيرة حملتها الموازنة الإجرامية التي أقرها هذا المجلس النيابي بالذات!

لم يكن ما يكوي الناس في أولويات النواب الكرام. وبمعزل عن ترويجات كاذبة في الإعلام والأحاديث عن إعفاءات على الضروريات، فإن الأرقام أفصح من أي كلام! إقتصادي معروف يشرح الأمر كالتالي:
إن معجون الأسنان الذي كان سعره عند الإستيراد 1$ كان يدفع 11% TVA من 1500 ليرة (تكلفة الإستيراد), نفس معجون الأسنان سيرتفع سعره الآن إلى ما بين 1.6 أو$ 2! فالإرتفاع سيكون 10 أضعاف ما كانت عليه، على أساس ال15 ألف ليرة TVA! أليس معجون الأسنان من الضروريات؟ هذه الضريبة سيدفعها المستهلك، وبوضوح فإن الضريبة وقيمتها 11% ستتضاعف السعر 10 مرات على المستهلك! وبوضوح أكبر تبين أن الذين ناقشوا الموازنة وبصموا عليها أو الذين تحفظوا أو طالبوا بتعديلات أو طعنوا بها،  لا يعرفون الفرق بين الجمارك وضريبة القيمة المضافة.الجمارك ضريبة بنسبة مئوية على سعر الإستيراد، في حين أن الTVA تطال سعر التجزئة، فيدفع المستهلك مرتين جمرك وقيمة مضافة!
ليس صحيحا أبداً أن نسبة الزيادة في الأسعار ستكون نحو 5% وأن  الرسم الجمركي لن يطال 95% من السلع، فمثل هذه الترهات تذكر تلك المقولة: الليرة بخير فأوصلوا الناس إلى المجاعة، والأكيد أن النتائج الكارثية على حياة الناس لن تتأخر بالظهور، خصوصاً مع تعدد أسعار سعر الصرف ما بين 15 ألفاً للدولار الجمركي وسعر صيرفة المتحرك وهو اليوم 30300 والسعر الحقيقي في السوق الذي تجاوز ال41 ألفاً!
وكما غابت كارثة الغريق الذي ضرب جونية وما نجم عنها من خراب وأهوال، غاب وجع اللبنانيين عن الجلسة السوريالية التي فاقمت القتامة التي يمر بها البلد. والواضح أن كل المؤشرات تفيد بأن الناس ستكون متروكة أمام تعسف الناهبين وسلبطة الإحتكارات، وكل المسؤولية عن الإذلال اللاحق بالناس يقع على عاتق طبقة سياسية إستولت على الدولة والمؤسسات ودمرتها وسخرتها لأتباعها، فبات المواطن العادي محروم من الوظيفة وعاجز عن تأمين تكلفة الطبابة والتعليم كما العيش المقبول.. إلاّ إذا إرتهن للزعيم في طائفته! والأمر الأكيد فإن هذا التعسف الخطير ما كان ممكناً لولا "نخب" من المتسلقين والإستعراضيين المخادعين تواطأت مع المنظومة الفاسدة وأنخرطت معها وباعت واشترت!
كل الأوضاع المأساوية التي يمر بها البلد والناس غابت عن أولويات النواب "معارضة" النظام و"موالاته" وممانعين و"سياديين" و"مستقلين"، ولم يكسر الغياب إلاّ ما أدلى به النائب إبراهيم منيمنة الذي حذّر من مخاطر أداء حكومة تصريف الأعمال الحالية وريثة "عهد جهنم"، فسياساتها تستهدف سحق الطبقات الوسطى والفقيرة..لكنه بقي صوت في وادٍ، لأن الوضع المريب الذي يعيشه تكتل التغيير بات حائلاً دون تحمل هذه المجموعة مسؤوليتها، فيمعن بعض نوابها بممارسات عشوائية، تضرب عرض الحائط بمصالح مئات الألوف الذين صوتوا عقابياً ضد السلطة كما مصالح الأكثرية الساحقة التي يتم سحق حقوقها وكرامتها!

2- رئاسياً ترسمت الحدود بين الكتل، وكثر لا يستسيغون التفاوض المباشر لتسوية تجمع المتسلطين، وينكشف التفاوض السري بين حزب الله والكتائب بعد إنكار، وترشح معطيات عن جهوزية آخرين للتشاور تحت الطاولة، والكل ينتظر الخارج، ويترافق كل ذلك مع مراوحة الأوراق البيضاء مكانها وتراجع نسبي في مؤيدي معوض، ويتم الإعلان أن مجموعة من نواب بيروت وعكار بصدد مبادرة ما بعد ترشيح معوض، ويعلن الأخير إن تم التوافق على مرشحٍ سيادي وإنقاذي فإنه سيخوض معركته، أي مع بدء إقفال هذه الصفحة قالت النائبة عون(من تكتل التغيير) أنها والنائب ضو إقترعا لميشال معوض، ( يطعمكم حجة)!

بالمقابل بلغ الهزل مرتبة لافتة مع النائب ميشال الدويهي الذي إنتقد التصويت بأوراقٍ بيضاء، لكنه قال: "اليوم نزلت ورقة بيضاء مخزوقة من النص تقول إنه نحن بدنا رئيس سيادي إصلاحي إنقاذي"! وقال الدويهي، الممتنع عن التصويت للدكتور عصام خليفة المرشح الوحيد الذي تنطبق عليه معايير ما أسمي مبادرة نواب التغيير، بدنا رئيس وإستشارات لرئيس حكومة "لنبلش بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد لإنقاذ البلد"! هنا يتسع الهزل مع إنتظار الإصلاح والإنقاذ من هذا المجلس النيابي ومن هذه الطبقة السياسية الناهبة التي كان البنك الدولي خير من وصّف ممارساتها الإجرامية بحق اللبنانيين!
ملاحظة ضرورية. يتميز النائب فنج، المسقطة نيابته بضربة من المجلس الدستوري، بأنه خلوق عرفته ساحة النور وعرفه ثوارها كشخصية مميزة ملتصقة بالناس وهمومها، لذلك نال فنج ما يزيد عن 5 آلاف صوت تفضيلي ونالت لائحة "إنتفض" أكثر من 14 ألف صوت. لكن الملاحظ أنه في لقاء التضامن معه كما في مؤتمره الصحفي لم يكن يذكر حضور المؤيدين؟ الأمر ليس طبيعياً أبداً، لكن أغلب الظن أن الناس عزفت عنه نتيجة أداء لن تتسامح حياله. لقد تم إنتخاب فنج في سياق تصويت عقابي ضد السلطة وليس للتحالف أو الإلتحاق بفريق منها.. وعلى الآخرين أخذ ذلك بعين الإعتبار فما من وكالة مفتوحة لأحد والحساب سيكون يومياً!

وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.

الكاتب والصحافي حنا صالح