في صبيحة اليوم 1147 على بدء ثورة الكرامة
وانتصرت مهسا أمين
نظام الخامنئي يهتز ويتراجع ويعلن بقرار ملتبس حل "شرطة الأخلاق"، لكن القرار لم يطال إلزامية الحجاب، الذي كان في اساس الإنفجار الشعبي على خلفية قتل همسا أميني! ومعروف جيداً أن القرار بشأن الحجاب الذي سبق وإتخذه الخميني، يتعلق بدور المرشد وحجم الصلاحيات غير المحدودة التي بين يديه! لكن الوضع العام تجاوز مسألة الحجاب ليطرح قضايا سياسية وإقتصادية عميقة، وتأكد بوضوح أن ما تشهده إيران أبعد من مجرد إحتجاج عابر عندما تحدت تظاهرات الغضب الرصاص الحي.
يبقى القرار تنازلاً كبيراً فرضه غضب الإيرانيات والإيرانيين، وستكون له مضاعفات على المتسلطين من جهة، ومن الجهة الأخرى سيحث الشارع المشتعل منذ 16 من أيلول الماضي، على المضي في المواجهة التي لم تعرف مثلها إيران منذ قيام نظام الملالي قبل 4 عقود ونيف، ومجمل الحدث الإيراني سينعكس على الإقليم كون نظام الملالي منغمس في خرائط المنطقة!
كتب سمير غصن وهو على حق:"ليس للأخلاق شرطة..الأخلاق هي الشرطة، مباركة الحرية لنساء إيران"! وتخوف كثيرون من أن "وراء الأكمة ما وراءها"، فالنظام الديكتاتوري الديني لا يستطيع التنازل بل إنه يخادع لتغطية ما يدبر من قمع ضد الثائرين من فرس وبلوش وأذريين وكرد وعرب، ويراهن على خداع الخارج ولا سيما الدول الغربية، خصوصاً وأنها لم تمحض هذه الثورة دعماً ملموساً، ومعروف أن سقف الموقف الأميركي ومثله الغربي هو "تغيير سلوك النظام" الإيراني وليس "تغيير النظام"!
القلق مشروع، رغم أن التنازل حدث بعد وقت على خطبة الخامنئي يوم خوّن أكثرية الإيرانيين الرافضين لنظامه، وحث أدوات القمع ولاسيما "الباسيج"، على مزيد من الإرهاب ضد المدنيين الذين قالوا كفى! لكنهم في شوارع الغضب يعرفون أنه ما من توتاليتارية تحكمت إلآّ بالترهيب والتخويف وإلصاق تهم العمالة بشعبها، لتغطية خوفها وتوجسها من المواطنين الذين تتسلط عليهم..لذلك بدا الرد المزيد من الإصرار الشعبي على إجتثاث الطاغوت، رغم سقوط مئات الضحايا وألوف الجرحى وأكثر من 18 ألف معتقل!
إيران اليوم وراء ستار حديدي، والكثير من الأحداث اليومية لا معطيات بشأنها، لكن بعد نحوٍ من 80 يوماً على تفجر الأحداث هناك ما يشير إلى أن "الوضع الداخلي لنظام الملالي ليس على ما يرام" وفق حازم صاغية. وإذا كان الخامنئي في خطابه الأخير أراد طمأنة الأتباع فالأمر الأكيد أن ليس لديه من يطمئنه وما يطمئنه، خصوصا مع عمق الإهتزازات بحيث طالت الإعتقالات إبنة شقيقته، وكثراً من المقربين من السلطة الذين إنضموا إلى المحتجين، دون أن ننسى الأحكام الجائرة التي صدرت على فائزة رفسنجاني.
2- عملياً طارت جلسة مجلس الوزراء بعدما تبين أن حكومة تصريف الأعمال ما كانت لتُشكل لولا إمساك عون – باسيل بالثلث المعطل على ما بيّنه بيان صدر باسم 9 وزراء أعلنوا مقاطعة الجلسة.
لم يصدر ميقاتي أي موقف بالتأجيل، الكلمة الملطفة عن تطيير الإجتماع، ويقال أنه يراهن على "وزير ملك" ينقذ الإجتماع وينقذ النجيب والنبيه والوليد والحزب القائد من الصفعة الباسيلية..أو أنه سيمضي في عقد إجتماع تشاور يحمل بعده المقاطعين مسؤولية ضرب مصالح الناس وبالأخص مرضى الأمراض المزمنة، وتجاهل ضرورة إقرار مسائل مهمة تعني كل اللبنانيين.
بيان "ميرنا الشالوحي" باسم الوزراء التسعة: بوحبيب، حجار، نصار، خوري، سليم، سلام، فياض، بوشيكيان، شرف الدين، يكشف عن جانب من المسؤولية عن الفراغ الذي منع ميقاتي من تأليف حكومة ما بعد الإنتخابات، ويفضح تكراراً تسليط وزراء – أدوات على شؤون الناس! لم يسبق لأيٍ من هؤلاء الوزراء، الذين لم يستشاروا في البيان الصادر باسمهم، أن صدر عنه موقف أو إشارة يدعو فيه الفريق الباسيلي وكل الممانعة لوقف التعطيل والذهاب لإنتخاب رئيس للجمهورية لأن في ذلك حماية حقوق كل الناس، لقلنا أن الكرامة حركت هؤلاْ لكن ما حدث يؤكد أنهم منها براء!
يؤكد هذا الإنفجار المؤكد، وهو الإهتزاز الكبير الذي يعيشه نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، الذي لم يستمر متحكماً برقاب الناس، لولا حماية حزب الله وسلاحه اللاشرعي، لأنه مازال الضامن الوحيد لمصالح كل أطرافه الشركاء في نهب البلد وإذلال اللبنانيين!
ما يجدر التوقف عنده هو إفتضاح كذب المتسلطين جميعاً، فلئن سعى ميقاتي ومن هم خلفه إلى القول الأمر لنا، نجح الفريق العوني في تأجيج سعار طائفي ليتبين أن اليس في حسابهم وجع الناس وهمومها، فصوروا إنعقاد مجلس الوزراء خطوة ضد المسيحيين وهم يتقدمون الصفوف في التعطيل. صموا آذانهم عن أنين مرضى السرطان وغسيل الكلى، وإلتف الخصوم حول باسيل، واجتذبوا معهم بكركي ليعلن الراعي أن "حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس وليست حكومة جداول أعمال الكتل والأحزاب السياسية"! فيما قال النائب القواتي جورج عقيص إن "الدعوة لجلسة مجلس الوزراء بجدول أعمال فضفاض شكلت خطأً فادحاً، وتقليص جدول الأعمال لا يلغيه" داعياً الحكومة لإقرار ما تراه عبر مراسيم جوالة!
وبعد، مرة أخرى لا يبقى على السطح إلاّ الكذب عندما تجرب قوى طائفية إقناع الناس أن مصالحهم وكراماتهم في حماية "الزعيم"!
لا مصلحة ولا كرامة للمواطنين إلاّ عند قيام السلطة بواجباتها وممارسة مسؤوليتها..وهذا الهدف هو ألفباء أي سلطة تحترم الناس والمسؤولية وتلتزم الدستور والقوانين. هدف لن يتحقق ما لم يتمكن الشعب اللبناني من وضع حدٍ للإختلال الوطني بميزان القوى، حتى تُفرض حكومة الناس الخارجة منهم، القادرة على إجراء الإصلاحات ومحاسبة المرتكبين الناهبين أياً كانت المراكز التي يشغلونها..أما التسعير الطائفي، والكل شركاء به، فهو سلاح منظومة النيترات مجتمعة لحماية نفسها. لكن الغضب المحتقن اشبه بالماء، وسيتسرب من حيث لا يحتسبون، وسيدفعون الثمن ولن يفلتوا من الحساب.
هذا الحدث وما رافقه من سعار طائفي ستكون له بالتأكيد تداعيات سياسية لاحقة، لكنه أمام هرولة البعض للتموضع خلافاً لمشيئة مئات ألوف المقترعين رسالة معبرة ينبغي للنواب الذين أوصلتهم الثورة إلى البرلمان أن يتوقفوا عندها ملياً!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح