الأعياد لا أحبّها، ولا فترات الأعياد. شيءٌ ما مدفونٌ في أعماقي يقول لي إنّ الأعياد جريمتها أنّها لا ترحم، لأنّها تكشف الفضيحة البشريّة، وتضع الإنسان أمام حقيقة كونه جلّادًا (عاقلًا) وقاتلًا وحاصدًا الأرواح عن عمد، في حين أنّ الطبيعة الحيوانيّة يستحيل أنْ تكون على هذه السويّة القصديّة (العاقلة)، وإنْ كانت ترتكب الافتراس القاتل بغريزتها لا بالعقل.
قلائل من البشر في المعمورة لا ينطبق عليهم هذا الوصف (فلنفترض أنّهم واحد من ثمانية). هم قلائل نسبيًّا، أي بالقياس إلى مليارات الناس الذين يسيرون سيرًا منتظمًا نحو تأكيد المؤكّد المحتوم: لا شفاء للبشر من همجيّتهم العاقلة، من السلطة، من الجشع، من النهب، من مراكمة الأموال، من العنصريّة، من ازدراء "الآخرين"، بسبب انتمائهم، جنسهم، لونهم، معتقدهم، وطبقتهم الاجتماعيّة. فهل من أملٍ، يا ترى، في هذا الشرط البشريّ المشيّد على وقع المجازر والحروب والمجاعات والأوبئة والأهوال والمواجع والمظالم؟
هذا في الأيّام العاديّة، فكيف بأيّام الأعياد!
أكثر ما يؤلمني خلال هذا الشهر، وفي الأشهر التي تماثله (أعيادًا) من السنة، أنّ الأعياد تُظهِر، من جهة، الفحش المادّيّ الاستعراضيّ البلا حدود، وتُظهِر، من جهة ثانية، ما لا حاجة إلى نعته ذلًّا وحاجةً ومهانةً وفقرًا. أموال طائلة تُهرَق من أجل الشعور بالانتشاء الرخيص، من طريق إرضاء احتفالات (المعرصة) البشريّة، ولائمَ وفخفخاتٍ وزينةً وثيابًا، وسوى ذلك من مظاهر البغلنة البشريّة (من البغل. بل حرامٌ أنْ أُلحِق بالبغل مثل هذا الأذى المستهتر الذي لا أقصده. إنْ هو سوى استخدامٍ لغويّ لعجز اللغة أحيانًا عن إيجاد معادلٍ "ثقافيّ" للحال الموصوفة). 
ماذا عن مليارات الناس اليائسين الممعوسين المظلومين المرتعبين المقهورين التائهين المشرّدين المعوزين، الذين تمعن هذه المعادلة (البشريّة) اللاأخلاقيّة في التنكيل بحياتهم ومعيشتهم، أكان ذلك بسبب الجغرافيا، التاريخ، الحروب، الأنظمة السياسيّة الجائرة، أو لانعدام العدالة الاجتماعيّة، أو لأيّ سببٍ آخر؟
وماذا عن فقراء لبنان؟
ماذا عن هؤلاء الذين يمضون النهار والليل قرب براميل النفايات "طمعًا" بما يمكن أنْ يكون تنازل عنه فمٌ شرِهٌ بعدما أعيته تخمة الأكل (الحرام)؟
وماذا عن أسياده وسرّاقه وناهبي خيراته ومانعي عيشه الحرّ الكريم؟
وماذا عن حكّامه وقادته وزعمائه وسياسيّيه ومتموّليه ومصرفيّيه ومهرّبيه وقوّاديه ومبرمي صفقاته وعقوده واتفاقاته؟
وماذا عن ناخبي (وناخبات) رئيسه الذين قد تليق بهم الأوصاف جميعها باستثناء أنْ يكون مجلسهم الكريم "سيّد نفسه"؟
ثمّ ماذا عن "حوارهم" الممروض الذي يُراد له في أحسن الأحوال أنْ يكون تربّصًا وكيدًا، وربّما تدوير زوايا، ولِمَ لا تبويس لحى؟
الأعياد لا أحبّها، لأنّ جريمتها لا ترحم، ولأنّ مجرميها لا يرحمون.

الكاتب والصحافي عقل العويط