هاكم كيف أمضيتُ يوم أمس الإثنين الواقع فيه التاسع عشر من كانون الأوّل 2022:
استيقظتُ مبكرًا كعادتي، بل أبكر، علمًا أنّي تقاسمتُ مناصفةً قنّينة نبيذ، مساء أوّل من أمس، بالتزامن مع المباراة النهائيّة لكأس العالم في كرة القدم. 
وكعادتي، بدأتُ النهار بركوةٍ، بركوتين، من القهوة. ثمّ كان ينبغي لي أنْ أشتغل تمامًا على لزوم وضع حدٍّ موضوعيّ وعملانيّ للهروبات اليوميّة التي شغلتني طوال شهر المونديال الكريم، فأعود "القهقرى" إلى ما كانت عليه يوميّات مواطنٍ لبنانيّ عاديّ، كان من أبناء الطبقة الوسطى فصار بعد انهيار الدولة (والليرة) من أبناء ما تعلمون ومَن تعلمون، مكافحًا الكفاح المدوبل والمتربل (مثنى وثلاث) من أجل تأمين سبل عيشه والحفاظ في الآن نفسه على كرامته. كلّ كرامته المادّيّة والمعنويّة.
جوهر الموضوع ليس هنا، لأنّي لستُ (في الضرورة) موضوع هذا المقال، بل نحن الناس. غالبيّتنا العظمى.
على غرار سكّان المعمورة، تناسينا في لبنان المشكلات التي تعيشها بلادنا (والعالم)، من أجل التمتّع (موقّتًا) بفسحة فرار، أو بفسحة سعادة. وكم هذا طبيعيٌّ وصحّيٌّ واستشفائيّ، في غمرة ما يعصف بحياتنا العامّة والخاصّة من مواجع ومشقّات، ليس أقلّها أنّنا بلا دولة، كما بلا ليرة، فضلًا عن كوننا في الغالب الأعمّ بلا كرامة، بلا شرف، وبلا إحساس، من فرط تخلّينا عن حقوقنا وواجباتنا ومسؤوليّاتنا حيال المواطنة والذات وشروط العيش البديهيّ. 
المخيف والمرعب أنّ كثيرنا ذهب في "فراره" و"سعادته" وفي التماهي مع الحدث الفوتبوليّ، وفيه، إلى حدّ التحزّب الهستيريّ الماجن والفصاميّ و"الحربيّ"، تأييدًا لهذا المنتخب وذاك، وهذه وتلك وهاتيك من الدول المشاركة في التنافس الكرويّ.
تسنّت لي (للأسف) فرصة الاطلاع (بالصوت والصورة) من طريق إحدى الصديقات، على كمٍّ هائلٍ من "مشاهد موندياليّة" موثّقة حيّة صاخبة وحارّة؛ زجليّة، شعريّة، حواريّة، هتافيّة، متراسيّة، قتاليّة، ميليشيويّة، زقاقيّة، وشبه همجيّة، تلخّص "حال الأمّة" المثيرة للشفقة حينًا، وللاحتقار في أحيان، ولليأس المحبِط في كلّ الأحيان، وتنذر بانعدام احتمال أنْ تقوم قائمةٌ لهذه "الأمّة" و"مواطنيها"، الأمر الذي يجعل المتلقّي (العاديّ والطبيعيّ وهو نفسه أيضًا المشغوف بالمونديال) "يهلع" حقًّا ممّا يسمع ويرى. وقد تحمله الهواجس المقلقة والأسئلة التحليليّة، النفسيّة والنقديّة، حيال ذلك، إلى حدّ أنْ يخلص إلى القول باستحالة أنْ يكون هؤلاء الناس هم أنفسهم (وعيالهم) الناس الذين هم على ما هم (وبلادهم) عليه من أحوال الذلّ والاستكانة والرضوخ والسكوت والجوع والمرض والفقر والظلم والخوف والانهيار والتذرّر والزوال. 
لقد أمضيتُ يوم أمس الإثنين الواقع فيه 19 كانون الأوّل 2022، "عائدًا" إلى مشاغلي، منصرفًا إلى الكتابة والقراءة والتصحيح، فضلًا عن التأمّل في أحوال الذات والوجود، طارحًا السؤال الآتي على  نفسي وعلى مواطنيَّ اللبنانيّين جميعهم، ولا سيّما منهم الذين "تمثّلهم" المشاهد الموندياليّة الموثّقة والحيّة، المذكورة أعلاه: كيف لنا نحن اللبنانيّين، كيف لهؤلاء (المواطنين) أعلاه خصوصًا، أنّ نكون نحن أنفسنا الذين نطالب بتغيير هذا "الفساد المهول"، هذا العطب الجوهريّ الذي يعترينا، بل المقيم، بل المتأصّل فينا؟
كيف؟!

الكاتب والصحافي عقل العويط