في صبيحة اليوم ال١١٦٧ على بدء ثورة الكرامة
في زمن الميلاد ليس من كلام أعمق مما قاله قبل سنوات قليلة البابا فرنسيس:
"الميلاد هو أنت!
الميلاد هو أنت عندما تقرر أن تولد من جديد كل يوم..شجرة الميلاد هي أنت، عندما نقاوم بعزم رياح ومعاكسات الحياة. جرس الميلاد الذي يقرع معلناً الميلاد هو أنت، عندما تدعو الناس للإلتقاء وتحاول لم شملهم.
أنت أيضاً نور لميلاد، عندما يضيء حضورك طريق الآخرين، بطيبتك وصبرك وفرحك وسخائك..ملائكة الميلاد هم أيضاً أنت، عندما تعلن مرنماً للعالم رسالة سلام وعدلٍ ومحبة".
كأن البابا فرنسيس كان يتوجه إلينا نحن اللبنانيين، كما سوانا من شعوب المعمورة. لكنه بكلمته المعبرة خصّ شعبنا بها لإن مواطنينا صنعوا واحدة من أنقى الثورات التي جمعت الناس من كل جهات لبنان ووحدتهم، ودلت بالاصبع : هم اعداء كل اللبنانيين، تحالف الاستبداد الذي يقوده حزب الله . جاءت "17 تشرين" لتوحد وتبلور وتعلن أن زمن الإنقسامات المناطقية والطائفية وأحاديث ال "نحن" و"هم" زمن خسارة الجميع!
خسارة الجميع بالتأكيد هي ما يلمسه الواحد منا، تحيط به الكآبة واتساع الظلم والجور والعوز وفوقه الرعب من المرض، ويرى مدننا شاحبة. وبيروت التي كانت مشعة لا تنام، أوصدت أبوابها باكراً في ليلة الميلاد، وغابت عنها الأنوار، وافتقدت إلى الحياة التي غادرت قلبها المهجور فيما أطرافها التي لم تعد تتعرف على أحلى المدن، رغم أن البحر ما زال يغسل أقدامها وما زالت نسمات صنين تنعشها! فهي، مدماة بدم الإخوة والأهل والأبناء والجيران، من مرفأ بيروت، لكل المرافيء، هرباً من الجحيم المفروض!
وفيما همهم من هم فوق كلن يشترون الوقت حتى التوافق على رئيس يكمل مسار نحر الجمهورية واستتباع البلد واقفال ابواب المستقبل، نحن الناس اليوم مثل أمس ومثل الغد، الوقت من ذهب. المهمة ملحة: التنظيم والتوحد حول عنوان سياسي لا يقبل الزغل: إستعادة الدولة المخطوفة بالسلاح بعد الطائفية والفساد.
لا وصفة أخرى ولا بديل عن التنظيم السياسي الحزبي الافقي الذي يحترم الفرد وقدراته وطموحه، لإعادة الناس إلى الفعل السياسي الحقيقي، وتجاوز "نتعات" التعامل مع بعض ظواهر الإختناق التي تعصف بالبلد وحياة المواطنين. التنظيم السياسي الحزبي المستمد من روح "17 تشرين" الأمين على أحلام صنّاع الثورة، هو الطريق لجبهة سياسية مستدامة: " الكتلة التاريخية" التي يعول عليها لبلورة البديل السياسي القادر على استعادة الثقة وفرض حكومة تمثل الناس تقود مرحلة اعادة تكوين السلطة . عندها لا يستطيع كائن من كان أن يسأل أين هي القيادة الجديدة وما مشروعكم وما برنامجكم؟
التنظيم السياسي الحزبي الذي يعكس النسيج التشريني الوطني هو اليوم وفي الغد وبعده، أداة المواجهة الصعبة لكن الممكنة، للمضي في ثورة عميقة، بدت لكل اللبنانيين "رسالة سلام وعدل ومحبة" كما قال فرنسيس. ثورة هي الأولى في تاريخ بلد الأرز والأرجوان، صنعتها ساحات ضمت مئات الألوف من السلميين، إكتشفوا معا من هم وراء الإذلال اللاحق باللبنانيين، فقالت "كلن يعني كلن". ما من أحد ممن تحكم بالبلد وتسلم المواقع وشارك بالقرارات فوق الغربال. إنهم ال6 أو ال7 "الكبار" رموز التسوية المشينة، ومعهم كومبارس من التابعين، شركاء في أخطر تحالف مافياوي ميليشياوي، يتكيء على حماية بندقية لا شرعية، باع الإستقلال والسيادة والكرامة وحقوق كل الناس مقابل المواقع وتغطية المنهبة ، ويواصل رغم التناقضات الكبيرة، موحداً السير على المنوال نفسه ضد اللبنانيين، لمنع الحقيقة والعدالة والمحاسبة ممعناً في إنتهاك الكرامات، متمسكاً بحصانات "إلهية" وشرساً في القتال لحماية نظام الإفلات من العقاب!
انجز التحالف المافياوي أخطر خطوة، هي المتمثلة بحكومة "الثورة المضادة" حكومة تصريف الاعمال القاتلة للحقوق، رغم أنها "جثة". لها وجه "بربارة" يحمل مظاهر الخداع لكثير من الناس ولا سيما الخارج، تغطي رغم كل ما يبرز من خلافات، موقع القرار الذي يحتكر التحكم به حزب الله، فحولوا البلد إلى مقبرة مفتوحة!
ولأن الميلاد، هو أيضاً رسالة من رفع السوط بوجه الطغاة الفاجرين القتلة، هو رغم أنوفهم ظاهرة لم شمل، كما شدد البابا فرنسيس. بين أيدينا كل الإمكانية للمضي في طريق ولادة لبنان آخر ما زالت ممكنة،
وتذكروا ان كلمة السر هي التنظيم السياسي للنهوض بالأهداف التي نادت بها ثورة تشرين، كي نستعيد الولادة لينبلج الفجر من قلب هذه العتمة!
ميلاد مجيد ..هليلويا !
لكن ما تنسوا ولا لحظة:
كلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح