والآن، ماذا نفعل بحياتنا الآن، وبعد الآن ماذا نفعل، وغدًا، وبعد غد، وبعد بعد غد؟ 
الجميع يسأل هذا السؤال. إنّما أنا نفسي أطرحه على نفسي، باسمي، ونيابةً (نيابةً؟!!! علمًا أنّي لستُ نائبًا ولا وزيرًا ولا رئيسًا، ولست صالحًا للنهوض بهذه الوكالات الدستوريّة، ولا أريد، ولا أتنطّح) – أكرّر: نيابةً - عن جميع المعذّبين والمقهورين والمألومين والجوعى والفقراء والتائهين والمحبطين واليائسين والأحياء الموتى والموتى الأحياء في لبنان وسائر دنيا الانتشار.
لقد مضت سنة 22 المشؤومة تلك، لكنّ انهيار الليرة لم يمضِ، ولا الغلاء، ولا انقطاع الكهرباء والماء، ولا حكم الزعران والسرّاق والبلطجيّة والحراميّة والمهرّبين والقتلة والإرهابيّين وغاسلي الأرواح والأجساد و... الأموال. 
لقد مضى Papa Noel، ومضى الدايم دايم، ومعهما مضى زمن الهدايا والمعجزات والأعاجيب والخرافات، ولم تركع رؤوس أشجار العهر والعربدة والدعارة (والشرمطة) والاستبداد، بل ازدادت استعلاءً وتشاوفًا وتحدّيًا وتهديدًا وسلبطةً وتشدّقًا وابتزازًا وانتهازيّةً وذمّيّةً والتحاقًا واسترئاسًا وانبطاحًا وعلى عينكَ يا تاجر.
ننتظر ماذا، ننتظر مَن؟ 
أننتظر منًّا وسلوى؟ أم ترياقًا من طهران من دمشق من باريس من واشنطن من موسكو من بيجينغ من خليجٍ من محيطٍ من مجلس أمنٍ أم من عواصم العالم وأصقاعه الأخرى (بضمّ الألف وبفتحها على السواء)؟ 
لا أحد مشغولًا بنا. لا أحد. وهذا طبيعيّ. بل كلٌّ مشغولٌ بنفسه، بمصالحه، بصفقاته، بعقوده، باتّفاقاته، بحروبه، بتطبيعاته، بمعاهدات سلامه (واستسلامه). وهذا أكثر من طبيعيّ.
أمّا هذه الوجوه الألفيّة الدمويّة المتوحّشة القاتلة المفترسة (السعيدة) التي بلا دم؛ هذه الوجوه البلا حياء، البلا خجل، البلا تعابير وأحاسيس؛ هذه الوجوه الـ من نحاس، من خواء، من عدم، من شخاخ، من قصدير، من نعال، من أقنعة، من حجر؛ هذه الوجوه البجم التي تربض فوق حياتنا...؛ بأيِّ وجوهٍ بأيِّ أيدٍ بأيِّ أسنانٍ وسكاكين نتعامل معها؟ 
باطل الأباطيل. كلّ شيء باطل.
أيّها الناس، هل أكون مجرمًا إذا قلتُ إنّي أطالبكم بـ"عقلنة" الحقد. وإنّي أطالبكم بـ"عقلنة" الكراهيّة. بالثأر. بالانتقام؟ 
فساد. فساد. فساد. نحن نعيش فوق (في) مرحاضٍ من فساد. بل نسبح فيه. بل نأكل ونشرب منه. بل ننام فيه (بل سأقول إنّ بعضنا يحلم به وفيه!). 
النار وحدها تأكل لحم الفساد. وحدها النار تلتهم حديده، ومعدنه. وحدها تردم وجوهه الصفيقة. ووحدها تخمد سعير فحيحه.
أطالبكم بـ"عقلنة" النار التي يجب أنْ تشوي دودهم.
اعذروني إذا قلتُ إنّنا لن نربح بطيبة القلب. بالحبّ. ولا بالتسامح، ولا بالغفران، ولا بالسكوت، ولا بالرضوخ، ولا بالطأطأة.
لقد انتهى العهد المشؤوم (هل انتهى حقًّا؟). إذا كان انتهى، فكيف لا يزال هؤلاء هم هؤلاء، وحيث هم هؤلاء؟ 
لا ينفع شيء مع هذا الوباء الأعظم. لا انتخاب ولا مَن ينتخبون. لا انتظار ولا مَن ينتظرون.
نعم، أنا يائس. أكذب إذا لم أقل إنّي يائس. أكون أبله وساذجًا إذا لم أقل لا شيء يجدي وينفع مع هؤلاء.
لكن الآن، ماذا الآن؟
وأقول ما يأتي. فاسمعوني جيّدًا:
الآن، وأمس، وأوّل من أمس، وغدًا، وبعد غد، وبعد بعد غد، نحن محكومون بعاهةٍ، بمرضٍ، هو الأمل. 
وكما لا شفاء من هذا اليأس، لا شفاء من هذا الأمل. والسلام.


الكاتب والصحافي عقل العويط