ريما أميوني تستدرج السماء إلى مساحتها، إلى قماشتها، إلى بيتها، إلى حديقتها، إلى ملعبها، إلى ألوانها الباذخة، إلى ريشتها، إلى فضائها، إلى مخيّلتها، إلى أحلامها. هذا كلّه يثيره معرضها (ستاركو بلوك ب، لدى "فاين آرت غاليري" و"آرت كونسالتانسي") في المتلقّي، في العين والنفس، وتأويلاتهما، مشفوعًا بنباهة الطفولة الرسّامة التي تتزيّن بموهبتها اللّاواعية (والواعية)، وبذكائها التشكيليّ الفطريّ الأقوى من كلّ مهنةٍ وصنعةٍ واحتراف.
"ذكاء" هذا النوع من الرسم هو ذكاء الرسم الطفوليّ الطبيعيّ المولود بالتلقاء، بالبداهة، بالعفو (العفويّة)، بالخربشة ذات المخيال الخلّاق. يجب أنْ أقول إنّها خربشةٌ ذات "وعيٍ" تأليفيٍّ وهندسيٍّ وبنائيّ، ينضح نضوح ما (ومَن) لا يحتاج إلى إجهادٍ واجتهادٍ وتصنّع. وها هنا، في هذا النوع من الكَرَم المتناسق والمموسق، ليس ثمّة ما يغبط، مثلما تفعل هذه "السذاجة" التشكيليّة بنا (بي)، في خضمّ هذا الأسى العميم، هذا القحط المميت، هذا الانهيار القياميّ الذي يلمّ بحياتنا، بوجودنا،. أهي "سذاجةٌ" هذه التي تجعلني أسافر في رحابها (الماكرة؟!)، أم "نبوغٌ" تلقائيٌّ يُحدِث نوعًا من النقاهة، من الاستشفاء، داخل هذا السطح التشكيليّ، هذا العالم الفنّيّ - اللونيّ الحرّيف الطيّب، الهنيء، اللذيذ، حيث كلّ شيءٍ، كلّ تفصيلٍ، كلّ زيحٍ، كلّ حجمٍ، كلّ شكلٍ، وكلّ تأليفٍ، ينضوي في قوامٍ تشكيليٍّ متماسك، كأنّه – في براءته - يوازي ما يقترحه علينا الوعي الفنّيّ الثقافيّ النقديّ المعرفيّ من خبراتٍ واختباراتٍ تصبّ في تاريخٍ من التراكمات التشكيليّة (الساذجة) المرجعيّة التي يُحسب لها ألف حسابٍ في تاريخ الفنّ.
ليس من توزيعٍ تأليفيٍّ في لوحة ريما أميوني، أو كتلةٍ لونيّةٍ حارّة، أو ضربة فرشاةٍ، أو بابٍ، أو نافذةٍ، أو فسحةٍ، أو شجرةٍ، أو زهرةٍ، أو غيمة، إلّا هو بعضٌ ضاحكٌ ومبتسمٌ من كلٍّ مؤتلفٍ في انسجاماته اللينّة الطرّيّة القويّة والمتينة في الآن نفسه، وفي سياقٍ بنائيٍّ من الأحجام والتقطيعات والألوان الحارّة الموزّعة بعنايةٍ وبنسبٍ لا تتوانى عن إشاعة حالٍ من الانسحار الطفوليّ لدى المتلقّي.
طوال شهر، من العاشر من كانون الثاني هذا إلى العاشر من شباط المقبل، يدعونا معرض ريما أميوني إلى تحدّي البشاعات (اللبنانيّة) العارمة بطفولاتٍ فنّيّةٍ - شعريّةٍ تستحقّ كلّ ترحيب. خذوا كباركم وصغاركم إلى هذا المعرض ليشهدوا لسماءٍ باتت مفقودةً إلى حدٍّ مفجع – للأسف – فوق هذه الأرض.

الكاتب والصحافي عقل العويط