يعود فريد حدّاد إلى بيروت ليقدّم أعماله منذ السبعينات إلى اليوم في معرضٍ (استعاديٍّ) هو الفرديّ الأوّل له في لبنان بعد انقطاع نحوٍ من أربعين عامًا ونيّف. ليقول ماذا؟ ليقول انشغاله بالرسم كـ"قضيّة" و"انتماء"، وكـ"رؤيةٍ" للعالم والحياة ولبنان. معرضه هذا في "غاليري صفير زملر"، الكرنتينا، علامةٌ فارقةٌ، قويّةٌ، راسخةٌ، وطليعيّة، ولا سيّما انشغاله التجريديّ الهندسيّ التركيبيّ بالكون، بالسديم، بالأديم، حيث موسيقى الحركات والخطوط وإيقاعاتها المتآلفة تغني عن كلّ وضوحٍ وشرح.
لا أريد أنْ أتوقّف عند عنوان المعرض، "لِعُمر لبنان"، بل سأذهب توًّا إلى الأعمال، إلى اللوحات، التي جعلتني إيقاعاتها التجريديّة والهندسيّة في حالٍ من الانخطاف والتحليق. ها هنا خصوصًا يتأكّد لي أنّ هذا النوع من التجريد هو ولوجٌ "خطيرٌ" إلى الباطن، إلى العمق، وإلى الدفين من الإشارات الدلاليّة المحكمة البناء، التي أجدني أسمّيها الأديم والسديم معًا وفي آنٍ واحد. فها هنا لا بأس أنْ يستدرجني لبنان فريد حداد إليه. وها هنا يعنيني أنْ أضيف هذا اللبنان إلى لبنان الذي في عقلي.
هنا الرسم ينجلي في صفائه القويّ، في دأبه الرصين، في ثقافته التشكيليّة المكتنزة الجوهر والمستغنية عن الثرثرات والمكتفية – كالتصوّف – بالإشارات والانسيابات والخطوط والاتّجاهات والسهام والكولّاجات الخفيّة.
هذا النصّ القليل يحتاج إلى اعتناءاتٍ كثيفة ومطوّلة ليعطي فريد حدّاد بعض حقوقه (الضائعة) في تاريخ الحركة التشكيليّة اللبنانيّة.
الكاتب والصحافي عقل العويط