في صبيحة اليوم ال1194 على بدء ثورة الكرامة
لامس سعر صفيحة البنزين المليون ليرة ولا قعر للإنهيار المتدحرج في قيمة الليرة، مع تجاوز سعر صرف الدولار ال50 الفاً، والإنعكاسات لم تتأخر فانفجرت صعوداً سقوف أسعار مختلف الخدمات والسلع ولا ضوابط تحمي لا الرغيف ولا حبة الدواء!
في هذا الوقت، وتزامناً مع أكبر تحرك منذ وقت غير قصير، يطالب مجلس النواب بفك الحصار المضروب على العدالة للبنان واللبنانيين في جريمة تفجير المرفأ وبيروت..إنطلق إستعراض نيابي يدخل اليوم يومه الثالث! خطوة، مشهدية، تستكمل مسعى بعضهم الزرع في عقول الناس أن بداية الحل تكون بانتخاب رئيس للجمهورية؟ ويتعامون عن واقع الرئاسة وعن مسؤولية السير في نهج تعرية الطبقة السياسية التي إستولت على الدولة وحولت الرئاسة إلى حالة فولكلورية، وجوفت المؤسسات واستتبعت القضاء وارتهنت البلد للدويلة وعززت بأدائها الإقتصاد الموازي، وتستعد لوضع اليد على أصول الدولة لإستكمال المنهبة، وهي لم تتأخر لحظة عن تسخير القوانين وتطويعها خدمة لمصالحها الضيقة الفئوية ولتعميق الحالة الزبائنية!
ويحدث أن النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا، تصدرا الإستعراض، وحدثنا بعض النواب من تكتل التغيير أنه الآن الآن إما ينزل الناس إلى الشارع وإما؟! ولم نعرف بعد إما ماذا؟! ويحدث أيضاً أن خلف وصليبا وآخرين بين من تصدر قبل أيام إطلاق الشرعة الشهيرة عن "قدسية الودائع"، وخبرونا يومها هم وغيرهم أن لا فرق بين مودعٍ ومودع، في منحى تقصد تحميل صغار المودعين وزر المقامرة والمنهبة وحماية الكارتل المصرفي الذي أذل اللبنانيين. وبالعمق هي شرعة تعوم المسؤولين عن الفساد وتبريء من أثرى على حساب المال العام وجني أعمار الناس، وتعطل جدياً المساءلة والمحاسبة، ففي أي سياقٍ تندرج مثل هذه الخطوة؟
ينبغي أن تقال الأمور كما هي، فمن حملتهم الموجة التشرينية إلى المجلس النيابي، وصلوا تحت عنوان محدد: التغيير! ولا يكون التغيير إلاّ بالمساهمة في خلق الظروف التي يمكن أن تقلب كل المشهد. مشهد الإستئثار بمقدرات البلد والسطو على الودائع وجيوب الناس، وحرمان اللبنانيين من العدالة والفرص المتساوية والوظيفة والتعليم والطبابة.. وحتى تأمين الحد الأدنى من الوجبات الغذائية.. هذا المشهد يواجه بخلق ميزان قوى شعبي بديل يبلور البديل السياسي القادر على إستعادة ثقة الناس! وكل التجارب التي مرّ بها البلد منذ نهاية الحرب الأهلية ، وما بعد "إنتفاضة الإستقلال" وإحتلال بيروت إلى التسوية الرئاسية المشينة وعهد جهنم الآفل، تؤكد أن الويلات التي يعاني منها الناس هي من صنع هذه الطبقة السياسية: "معارضة" النظام و "موالاته"، وإلاّ خبرونا عن قرار حيوي واحد إتخذته الطبقة السياسية لحماية البلد ومصالح المواطنين..أو خبرونا عن معركة خاضها فريق نيابي لفرملة الإنهيار؟ لقد رسمت الثورة، المتمسكة بتطبيق الدستور ومحورية عنوان إستعادة الدولة المخطوفة، المسار الحقيقي والوحيد للتغيير.. وهو مسار متصادم مع تحركات صوتية بينها هذا الإستعراض النيابي !
وتدبج المقالات عن إحراج طال البعض وأن نبيه بري منزعج وأن المفاجأة كبيرة! طلعوا من هذا الكلام كل ما هو حاصل أن بعض نواب التغيير استطابوا الوقوع في فخ السلطة، فبدت أولوياتهم تقتصرعلى الشكل، ناس "فاتهم" وجود إمكانية للإستثمار الإيجابي لمصلحة البلد في أكبر تصويت عقابي ضد كل الطبقة السياسية! لقد إستسهلوا وزن الكتلة الشعبية التي إقترعت للتغيير، ومضوا في نهج عزلها وعدم الإستفادة من التأثير الإيجابي لدور المواطن كلاعب سياسي جديد، لتصبح الخشية الحقيقية التي لا يمكن تغطيتها، أن مثل هذا الإستعراض قد يفضي إلى مراكمة اليأس، عندما سيتم توظيفه واقعياً في خدمة تسوية بين أطراف نظام المحاصصة، تسوية آتية لا محالة!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح