لبنان متروكٌ لأقداره المأسويّة. هذه حقيقةٌ لا لبسَ فيها. وهو باقٍ على هذه الحال، إلى أنْ يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. متى يقضي الله؟ لا أحد يدري. بل ربّما البعض يدري. لكنّه يكمن. ويتربّص. وينتظر الفرصة السانحة. 
في خلال ذلك، كلّ مَن يستطيع أنْ يقضم بعضًا من قديد هذا البلاد، أو ينتش، أو يستفيد، لا يتردّد في القضم والنتش والإفادة. وكلّ مَن يخطّط، في خلال ذلك، لإحكام قبضته على لبنان، احتلالًا أم استيلاءً أم مصادرةً أم تفكيكًا أم إلغاءً أم تفريغًا أم تهشيلًا أم تهجيرًا أم نهبًا أم محوًا من الجغرافيا، - قد - تتحقّق له مآربه هذه بقدرة قادر. 
دليلي القاطع، ما يجري على الأرض، على أرض لبنان الممرّغة باليأس، وبقوّة الأمر الواقع.
ما أكتبه في هذا الشأن، أحاول أنْ أكتبه بهولٍ شديد، مدجّجًا بالعقل المجرّد، بالعين المجرّدة، بدون زيادةٍ ولا نقصان. 
في هذا الوقت الضائع (هل هو وقتٌ ضائع؟!)، ثمّة "رائحةٌ" مريبةٌ للغاية تنتشر في الأرجاء (مستذكرًا "هاملت" شكسبير، ورائحة الفساد المنتن والمؤامرة في مملكة الدانمارك، على ما تقول المسرحيّة). رائحةٌ مركّبةٌ، هي مزيجٌ من دهاءٍ وعهرٍ ومكر، ومن رائحة نفايات، ومن رائحة بارود، ومن رائحة افتراس، ومن رائحة قتل، ومن رائحة تآمر، وصولًا إلى التأكّد من استتباب روائح الغايات المرجوّة والمرسومة. وهي أدهى وأخطر بكثير ممّا يُشَمّ بالحدس، ويُرى بالعين، ويُستخلَص بمعايير العقل الهادئ.
لبنان متروكٌ لأقداره، وكلّنا مسؤولٌ بنسبٍ متفاوتة، كبيرة، ودون. فبعضنا  قصير النظر، وبعضنا مراهق، وبعضنا منتفخٌ بذاته، وبعضنا منفصم، وبعضنا ذمّيّ، وبعضنا عميل، وبعضنا مرتزق، وبعضنا منتهز، وبعضنا سارق، وبعضنا بلا أخلاق، وبعضنا أبله، وبعضنا سليم الطويّة (!)، وبعضنا حاقدٌ وكاره، وبعضنا صرماية عتيقة.
قلائل (أو أكثر) قد لا تنطبق عليهم الأوصاف أعلاه، لكن أين هم؟ ماذا يفعلون (يرتكبون؟) في هذا الوقت الضائع؟ وهل هو وقتٌ ضائعٌ حقًّا؟
إلى هؤلاء أكتب ما أكتبه في هذا الشأن، باعتباره نذير عاصفة وجرس إنذار.
وأنا أحضّهم حضًّا لتدارك ما يفوتهم من "وقتٍ" يتوهّم السذّج منّا أنّه وقتٌ ضائع، في حين أنّه (أرجو أنْ أكون مخطئًا) يجسّد لحظة الافتراس التاريخيّة المنتظَرة من زمانٍ، وأزمنة. 
في خلال ذلك، أنظر إلى "بلد الإشعاع والنور" فلا أرى بلدًا ولا إشعاعًا ولا نورًا، بل أعاين فقط جلسات "سيّد نفسه"، وهي عند العقلاء من عيار الفنّ المسرحيّ الهابط جدًّا (ترسو)، وأنظر إلى ما بقي من أشباه رؤساء، وإلى السلطات، والطغاة، وقطّاع الطرق، والمتربّصين، والقتلة، متوجّسًا التوجّس كلّه، صارخًا بصوتٍ مدوٍّ بلسان نفسي، لا بلسان هاملت شكسبير: ثمّة شيءٌ فاسدٌ ومنتنٌ يجري في مملكة لبنان. وأنا أصرخه في وجوهكم – عشيّة – الفرصة الخطيرة السانحة التي ترسل نُذُرها وتقرع أجراسها.

الكاتب والصحافي عقل العويط