هل مجلس النوّاب هو مسرح ظلٍّ لاغتيال الدستور والقانون، ولحكمِ ثنائيِّ السلبطة والغلبة (والأتباع)، ولمنع انتخاب رئيس، ولعقد صفقاتٍ وبلطجاتٍ ودسائس، ولتوزيع مغانم ومصالح، أم هو طيفٌ مريضٌ لمجلسٍ كان يُشتهى أنْ يكون مجلس "سيّد نفسه"، مجلس أمّةٍ، مجلس شعب؟ 
هل مجلس الوزراء المصرّف الأعمال هو مجلس ظلٍّ تحت مسمّى "الضرورات تبيح المظورات" لإمرار صلافات الأمر الواقع ووقاحاته واستبداداته وأهواله ومشاريعه، وإنْ تحت قوس الليرة الممعوسة والتشرّد والتهجير والجوع والمرض والقهر والذلّ والفقر والقضاء المضرّج وحفلات الفساد والسرقة والنهب والسفك والقتل والجريمة؟
هل أشمّ رائحة مالٍ تزكم الأنوف والأيدي والنفوس والعقول والجيوب، وتغري (أيضًا) الذمم الناخبة والمشرّعة؟ هل باتت رائحة هذا المال هي البوصلة، وهي المنارة، لـ"ترشيد" السفن والربابنة والقباطنة والركّاب وحرّاس النزاهة والحقّ والعدل والعدالة والتشريع والمراقبة؟
هل أقرأ بين السطور أنّ ثمّة حلفًا (موضوعيًّا) بين أحزابٍ وتيّاراتٍ وقوًى وأفرادٍ وميليشياتٍ وأمراء طوائف(؟!)، بات قيد التشكّل، مؤكّدًا، أو شبه مؤكّد، من 70 إلى 73 نائبًا (على وجه التقريب)، يستطيع في أيّ وقتٍ (عندما يحين الوقت) أنْ ينتخب الرئيس الذي يريده، ويكون هذا الرئيس تلميذًا نجيبًا طائعًا طيّعًا مطواعًا ليّنًا فاهمًا "اللعبة" الجهنّميّة الدنيئة الخسيسة بأصولها وبسبل تدوير زواياها وتنفيذ غاياتها ومآربها؟ 
هل أسمع أنّ بعضًا حفظ الدرس، وأنّه ممنوعٌ من التغريد خارج السرب؟ وأنّ القطعان يجب أنْ تضع أعضاءها "تحت الحفظ"، بالوسائل والطرق والأساليب المناسبة، بحيث لا تستطيع "عنزةٌ شاردةٌ" أنْ تشرد، وإذا شردت وزاحت عن الخطّ، استُفرِدتْ، و"أُفرِد(ت) إفراد البعير المعبّد"؟
هل أشمّ رائحة "دول عظمى" تبصم بالعشر على ما يجري داخل جمهوريّة البلطجة وقطّاع الطرق؟
***
في هذه الغمرة المضفورة بالدعارة (القانونيّة والشرعيّة)، يطلّ من ذاكرتي وجه حاكم مصرف لبنان أيّام زمان، صديقي الكبير جدًّا، رئيس الجامعة اللبنانيّة قبلذاك، الدكتور العلّامة إدمون نعيم، معتصمًا في المصرف المركزيّ ليل نهار، حارسًا للمال العامّ، مانعًا برجاحته العقليّة، ونظافته المعنويّة والمادّيّة، وقوّته الروحيّة، وصلابته الوجدانيّة، ومنعته البدنيّة، كلّ قوى الأمر الواقع، كلّها جميعها، من أنْ تضع يدها على ليرةٍ واحدة، سبيكةٍ واحدة، بل أونصةٍ واحدة، ممّا ائتُمن عليه.
في هذه الغمرة نفسها، أرى إلى اعتصام نائبَين، اعتراضًا على انتهاك الدستور وعدم انتخاب رئيس، وأرى في الحين نفسه، أرى إلى مجلس النوّاب، وقد تمرّغ الدستور في ولايته تمرّغًا مشينًا، ونكثت هيئته العامّة بعهودها، ونكصت عن وظيفتها ودورها ومهمّتها، وتخلّت علنًا جهارًا، بالتكافل والتلاقي الموضوعيّ، وإنْ بشعاراتٍ ومواقف متنافرة متضادّة، وبأدوارٍ وأقنعةٍ متعدّدة ومتنوّعة، عن انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة في الموعد الدستوريّ المحدّد.
هل أشمّ رائحة سدل الستار على جريمة تفجير مرفأ بيروت؟
هل أشمّ رائحة انهاء اتّفاق الطائف؟
هل أشمّ رائحة أفول ما بقي من مؤسّسة الدولة اللبنانيّة؟
على الرغم من هذا كلّه، وغيره، أكتب هذه الرسائل بالجملة والمفرّق ضدّ الزعرنة وضدّ اليأس (لعلّ وعسى)، ولن أنسى أن أكرّر: لا تنسوا مغزى اعتصام صديقي الدكتور العلّامة الرئيس الحاكم إدمون نعيم، وقد كان صوتًا صارخ في البرّيّة (برّيّة لبنان) يغرّد خارج السرب الدمويّ الغاشم.

الكاتب والصحافي عقل العويط