لا شيء يشبه وجعَ لبنان. ولا الزلزال. ولا الركام. ولا الموت. ولا الموتى. ولا مدافن الموت والموتى.
وما الزلزالُ والركامُ والموتُ إلّا وجعٌ لوقتٍ. وجعٌ لوقتٍ فحسب. 
أمّا لبنانُ فوجعٌ تلوَ وجعٍ تلوَ وجعٍ فوقَ وجعٍ تحتَ وجعٍ هو لبنان.
وما حرب لبنان؟ وما الإرهاب فيه؟ وما القتل؟ وما الاستيلاء؟ وما الاحتلال؟ وما الجوع؟ وما الذلّ؟ وما القهر؟ وما الفقر؟ وما انكسارُ الحلمِ في لبنان هذا؟ 
وما أيضًا الرابعُ من آب؟ وما المدينةً في الرابع من آب؟ وما لبنان الرابع من آب هذا؟
وهل بيروت وهل لبنان الرابع من آب، وقتلاه، ومدائنه، ومدافنه، وبيوته، وشرفاته، إلّا ساعةٌ من وقتٍ. إلّا علامةٌ. إلّا برهانٌ فحسب. وهو، هل هو سوى برهانِ الوجعِ القليلِ القليلِ في سجلِّ أوجاعِ لبنان؟!
زلزالٌ كلُّهُ هو لبنان. 
وعمرُهُ ما يكون عمرُهُ؟َ! إنْ هو سوى يقظةٍ وحياةٍ تلوَ ركامٍ وموتٍ بعدَ يقظةٍ وحياة. وهو وجعٌ كلُّهُ لأنّ جزيةَ الحياة فيه هي الركامُ والموت. كمثلِ الشعر. كمثلِ وجعِ الشعر. كمثلِ وجعِ اللهِ في شعرِ الشعرِ والشعراء.
كدَمٍ أبديٍّ على عشبةٍ خضراء على أرزةٍ على زيتونةٍ على صخرةٍ على بقعةِ ثلجٍ هو لبنان.
قلْ لي: وما وجعُ لبنانَ هذا؟ ما وجعُهُ ليكونَ أفدحَ الأوجاع كلّها؟
وقلْ: ما لبنان؟ 
لبنان هو وجعُ لبنان. ووجعُهُ جزيةُ وجودِ لبنان.
وهو وجعُ اللهِ إيّاه. 
كمثلِ وجعِ السماءِ على الأرضِ هو لبنان.
***
ركامٌ فوق ركامٍ تحتَ ركامٍ هي الأرضُ هم الناسُ هو الليل.
في الليلِ في هذا الليلِ لا تُحتمَل في الليل أوجاعُ الناس في ليلِ الأرضِ هذا. 
حفرٌ في العتمة الماحقة في اللحم الحيّ في النخاع الشوكيّ في الباطن في اللّانهائيّ المُهلِك في القاعِ في قاعِ العدمِ هي الأوجاع. 
ما من وجعٍ يشبه وجعَ الليل. 
ما من ألم. 
ما من صراخٍ أبكم يوازي هذا البكْمَ الليليَّ الفظيع. 
شيءٌ يواكب بطءَ الموت بطءَ الإعدام بطءَ القتل هو الليل. 
شيءٌ يشبه دخولَ الوقت في اللّازمن في اللّارجوع هو وجعُ الليل.
وجعُ الأرضِ في النهارِ في الليلِ يشبه الكوميديا الإلهيّة يشبه مأساةَ الله لكونه إلهًا على وجعِ الأرض. 
لا شيء يشبه وجعَ الأرض. لا شيء.
وجعُ الأرضِ في الزلزال لا شيء يشبه وجعَ الأرض في الزلزال.
... إلّا لبنان.

الكاتب والصحافي عقل العويط