ماهم هؤلاء. هم هؤلاء. أصحيحٌ تتزلزل الأرضُ، ومَن عليها، وما فوقها، وما تحتها، وهم لا يتزلزلون؟! أصحيحٌ أنّهم أقدارٌ مختومةٌ، وأنّهم سماسرةُ جحيمٍ، ووسطاءُ شياطين وجهنّمات، وأنّ عهودَهم لن تنتهي، وولاياتِهم، ومناصبَهم، وأحزابَهم، وطوائفَهم، وسياساتِهم، وسلالاتِهم، وعربداتِهم، وصفقاتِهم، وميليشياتِهم، ومتاريسَهم، وطاولاتِ طعامهم ولقاءاتهم ودسائسهم ومؤامراتهم؟ أصحيحٌ تنتهي اللعناتُ، وهم لا ينتهون. أصحيحٌ تتساقط السماءُ ونجومُها، وكواكبُها، وشموسُها، وأقمارُها، ومجرّاتُها، وهم لا يتساقطون؟! والمدنُ تهرُّ، والأريافُ والرجالُ والأطفالُ والصبايا والعجائزُ والنساءُ والسهوبُ والسهولُ والأوديةُ والهضابُ والجبالُ والعماراتُ والأشجارُ الباسقاتُ والهياكلُ والقلاعُ والدموعُ، وهم لا يهرّون، ولا يتزحزحون؟!
هم هؤلاء. هم هؤلاء. غربانٌ سودٌ، ولئامٌ على لئامٍ، وذئابٌ ملعونون من الذئاب، وكواسرُ مختلّةٌ، وعقولٌ مريضةٌ، وقطّاعُ طرقٍ، وسرّاقٌ، وسماسرةٌ، وتجّارُ رقيقٍ، وعَبَدةُ كراسٍ ومالٍ، وأقدارٌ غاشمةٌ، وعهّارٌ، وقوّادون، وحشراتٌ، ومبيداتٌ، وكرهٌ، وحقدٌ، ووطاواتٌ، ودناءاتٌ، وحقاراتٌ، وسمٌّ زعافٌ، ومداساتٌ هي سحناتُهم الصفيقةُ، وأحذيةٌ هي جباهُهم المعفّرةُ، ومراحيضُ هي أرواحُهم النتنةُ، ولعناتٌ هي قلوبُهم المصفّحةُ بالإسمنت، ومقابرُ هي عيونُهم البلقاءُ، وشرٌّ ما بعده شرٌّ، ديمومةُ استبدادِهم بأهلِ هذه الأرض.
هم هؤلاء. هم هؤلاء. فناؤهم حلالٌ. ورحمةٌ للموتى والقتلى والأحياء والشهداء هو أفولُ سؤددِهم وزوالُ أمجادِهم. وزلزالُ أحرارٍ وثوّارٍ يمحق وجودَهم، ويأتي عليهم أجمعين، هو الحلالُ كلُّ الحلال.
هم هؤلاء. هم هؤلاء. كتلٌ من عارٍ وقبحٍ وقيحٍ وصنمٍ وقصديرٍ ونحاسٍ وحجرٍ أصمّ، ونفاياتٌ، ووجوهٌ من نعالٍ تلوَ نعالٍ تلوَ نعالٍ، هم هؤلاء الذين يحتلّون كتابَ دستورِنا، ويعهّرون مؤسّساتِنا، ويغتصبون نقاءَ مفهومِنا للسياسة، ويجثمون فوق كراسي بلادِنا، ويربضون على أنفاسِنا، ويزهقون أحلامَنا، ويمعسون ابتساماتِ أطفالِنا، ويأكلون حلالَ مالِنا، ويسرقون قمحَ رغيفِنا، ويضرّجون هناءَ عيشِنا، ويمنعون عنّا ناياتِ الضوء والفجر، وقهوةَ صباحاتِنا.
هم هؤلاء، هم هؤلاء. يلوّثون ماءَنا، ويسرقون أعمارَنا، وينهبون كهرباءَنا، ويطفئون نارَنا، ويسفكون هواءَنا، ويبيعون كنوزَ بحرِنا، ويُذلّون كرامةَ ترابِنا، ونراهم غصبًا وقسرًا كلَّ يومٍ تحت أبصارِنا، وفي كوابيسِنا. ونراهم، ولا مفرّ، على شاشاتِنا، وفي سراياتِنا، وقصورِنا، ومجالسِنا. كأنّهم أبدٌ رغم أبدِ زلازلِنا القياميّةِ المشؤومة.
هم هؤلاء. هم هؤلاء. أتنتهي الأعمار حقًّا، وهم لا ينتهون؟َ وهم سرطاناتُنا، وويلاتُنا، ومصائبُنا، وأمراضُنا المستعصيةُ، وهلاكاتُنا الماضيةُ والحاضرةُ والمقبلةُ علينا. وهم سجونُنا، وأقفاصُنا، وآفاقُنا المسدودةُ، ودوائرُنا المقفلةُ، وحلقاتُنا المفرغةُ، وحلولنُا المجهضةُ، وتغييراتُنا المستحيلة.    
هم هؤلاء. هم هؤلاء. لكن ليس صحيحًا أنّهم باقون إلى الأبد لا ينهزّون ولا يتزحزحون. فعليهم تحلّ لعناتُ الأطفال والثكالى والصبايا والفتية الحالمين والمعوزين والمرضى والعطشى والجوعى والمهجّرين واليائسين والتائهين والحفاة والأيتام والثوّار والأحرار والتائقين إلى كسرِ الليلِ بزلازل الأملِ والحرّيّة أجمعين. وستلاحقهم قبور الموتى، وستقضّ مضاجعهم، وتهزّ عروشهم، وتدحرج هياكلهم وقصورهم، وتضرّج أسرّتهم بالفزع الذي يرهب قلوبهم، ويلاحق فلولهم.
هم هؤلاء. هم هؤلاء. لكنّهم ليسوا الأبدَ، ولا الأزلَ الباقي إلى الأبد. وليس صحيحًا أنّ الأرض تتزلزل، ومَن عليها، وهم لا يتزلزلون. واعلموا وتيقّنوا، أنّ ما من شجرةٍ متكبّرةٍ وصلتْ إلى سدرةِ ربّها، وهم حتمًا – اطمئِنّوا - ليسوا بواصلين!

الكاتب والصحافي عقل العويط