الوقاحة تصل أحيانًا إلى حدودٍ لا يعود في مقدور المرء المألوم والمطعون والممعوس والقتيل والمقتول أنْ يتحمّلها. هذه الوقاحة لا حدود لها عندنا مطلقًا، فكيف بها إذا كانت وقاحةً سياسيّة، أقلّ صفاتها الصلافة، والازدراء، والاحتقار، والاستعلاء، والغلبة، والابتزاز، والاستخفاف، واللّامبالاة، والانتهاك، والاغتصاب، والعربدة، والبلطجة، والسلبطة، والتزوير، والسرقة، وقلّة الأخلاق، وانعدام الكرامة، وخصوصًا الدعس على أوجاع الناس و"الفنترة" على كوارثهم وفجائعهم.
لا حدود. لا حدود.
تأمّلوا الوقاحة مثلًا: مجلس نوّاب يسمّي حاله "سيّد نفسه"، وليس عنده من السيادة على نفسه أيّ ذرّة شبهة، يُدعى إلى عقد جلسةٍ تشريعيّةٍ على جدول أعمالها مواضيع أقلّ ما يُقال فيها إنّها تافهة – أكرّر: بل تافهة جدًّا، على الرغم من أهمّيّتها وضرورتها ولزومها، في وقتٍ يتضرّج الدستور على الأرض، وعلى عينكَ يا تاجر، بدماء رئاسة الجمهوريّة التي لا يكلّف مجلس النوّاب (ما غيرو، سيّد نفسه) عناء الانعقاد الجدّيّ (لا الهزليّ) وبصفةٍ دائمةٍ وعلى مدار الوقت بكونه هيئةً ناخبةً فحسب لإنجاز مهمّة انتخاب رئيس.
كيف يسمح لنفسه "سيّد نفسه" أنْ ينعقد في جلسة تشريعيّة على جدول أعمالها مواضيع تافهة جدًّا وللغاية، بالقياس إلى "المواضيع" التي تتضرّج فيها على الأرض حياة الناس بدم الفقر والجوع والمرض والتعتير والمرارة والذلّ والبرد والظلمة والمهانة والخذلان والإحباط واليأس؟!
وقّع 46 نائبًا عريضةً يرفضون فيها المشاركة في أيّ جلسةٍ تشريعيّة قبل انتخاب رئيس. ممتاز.
لكن أين هم النوّاب الآخرون؟ أين هم خصوصًا النوّاب الذين يضعون رِجلًا في البور ورِجلًا في الفلاحة (هل أسمّيهم؟!)؟ ألا يخجلون أمام مراياهم التي تبصق عليهم؟ ألا يستحون من أوجاع الناس من المعدمين من المقهورين من الموتى من القتلى من الأطفال الذين يموتون في العراء؟!
"اللي استحى مات"، أيّها الناس. لكنّ هؤلاء لا يستحون، لأنهم بلا دم.
يجب أنْ يُشهَّر بهم نائبَا نائبًا (ونائبةً نائبة) وبالاسم الثلاثيّ، وفي كلّ مكانٍ ومقامٍ وزمان.
ليست المسألة مسألة انتخاب رئيسٍ فحسب. إنّها مسألة تدمير الدولة اللبنانيّة بكلّ مكوّناتها ومقوّماتها ومؤسّساتها، وتفجير مبرّرات وجودها.
جلسة تشريعيّة... قال.
امنعوا عقد أيّ جلسةٍ تشريعيّةٍ لمجلس النوّاب قبل انتخاب رئيس.
الكاتب والصحافي عقل العويط