الديكتاتور هو هو، في كلّ مكانٍ وزمان. لكنْ مَن لم يرَ ضحكة الديكتاتور، وقهقهته، كم ينبغي له أنْ يراها، وأنْ ينعم بها، وأنْ يحفظها في قلبه، في باطن روحه وعينيه، كي لا تفوته مأثرتها التاريخيّة.
بشعٌ هو الديكتاتور، في أحواله وصوَره ومراياه كافّةً. فكيف إذا كان يضحك. أو يقهقه. ولا سيّما في موازاة زلزال الركام والضحايا من أبناء "شعبه" و"بلده".
يصعب على أيّ شخصٍ سويٍّ عاقلٍ، في أيّ مكانٍ في العالم، أنْ يستوعب مشهدًا كهذا، صورةً كهذه. فكيف لا يصعب ذلك على ابن البلد، أو ابن الجوار، من الذين نُكبوا بالديكتاتور، وحكمه وعسفه وظلمه واستبداده وبراميله وسجونه ومقابره الجماعيّة و... ضحكته المجلجِلة.
لكنّ الديكتاتور، على ما أعتقد، لا يشعر بما يجري، لأنه لا يرى ما يجري. ولأنّه لا يكحّل عينيه إلّا بمراياه، ولا يشعر إلّا بها، ومن خلالها.
عندما ينظر الديكتاتور في مراياه، لا يرى المقابر الجماعيّة، ولا المدن المهدّمة، ولا الفقراء، ولا المعذّبين، ولا الثكالى، ولا قوافل الموت والذلّ والهجرة والنزوح واللجوء والتهجير.
يرى فقط كم مراياه جميلةٌ، ونيّرةٌ، ووضّاءةٌ، ومشرقةٌ، وملهمةٌ.
الديكتاتور، كم يحبّ الديكتاتور مراياه، وكم تُعميه مراياه، وكم يعبدها، مراياه.
والحال هذه، أكثيرٌ، أعجيبٌ، أنْ يضحك الديكتاتور، وأنْ يقهقه؟!
... أكثيرٌ، أعجيبٌ، أنْ أيضًا، ولا سيّما، أنْ يزوره المتضامنون من أهل البلد، وخصوصًا من أهل الجوار، وأنْ يواسوه، ويطيّبوا خاطره، ويقفوا – ردًّا للجميل - إلى جانبه في المحنة، في الفاجعة، في الكارثة، التي لا يراها، ولا هي تعنيه، ولا هو يشعر بها؟!
لو شكسبير هنا، لو غارثيا ماركيز، لو دانتي، لكنّا حظينا بروايةٍ، بملحمةٍ، بمسرحيّةٍ مأسويّةٍ قياميّة، من صنف الواقعيّات السحريّة اللّامعقولة، أو من صنف "عطيل" و"ماكبث" و"الملك يموت" و"الكوميديا الإلهيّة". ولِم لا من صنف "الأرض الخراب الموات" لـ تي اس إيليوت.
ولكنّا حظينا بسوى هؤلاء من صنوف مواهب قبورنا وموتانا وضحايانا ومدننا المهيضة، و... أراضينا السليبة.
حديديٌّ واسمنتيٌّ، هو الديكتاتور. لو لم يكن كذلك، لو لم يكن هكذا، هل كان ليضحك أمام المقابر الجماعيّة، أمام المدن القتيلة، هل كان ليقهقه قهقهته الهستيريّة الصفراء المريضة؟!
لمَن لم يرَ ضحكة الديكتاتور، في لحظتها التاريخيّة النادرة تلك، عليه أنْ يسارع إلى تلقّف الصورة، إلى تصفّح الفيديوهات على مواقع التواصل، لئلّا يفوته المشهد، فيدخل في عالم النسيان.
ليس في كلّ حينٍ، يحظى شعبٌ، أو "أمّةٌ"، بديكتاتورٍ كهذا، فكيف إذا كان الديكتاتور يضحك؟ وأين؟ أمام المقابر، أمام البلاد الخراب!
الكاتب والصحافي عقل العويط