في صبيحة اليوم ال1244 على بدء ثورة الكرامة
إنه الحدث الكبير اللافت، الإتفاق السعودي الإيراني، الذي يكتسب أبعاداً إستثنائية لجهة الرعاية – الشراكة الصينية في الوصول إليه.
الأكيد أن الأسئلة عديدة عن الأبعاد والمضمون لكن الإجابات غير متوفرة بعد، خصوصاً وأن طهران هي طرف رئيسي، يستحيل لعاقلٍ أن يركن إلى "حسن نية" ملالي طهران. لكن لهذا الإتفاق ميزة إستثنائية لأن من يقف خلفه هو الرئيس الصيني، الذي أكد البيان أنه ناقش القيادتين السعودية والإيرانية بشأنه وهو الجهة التي دعت الرياض وطهران إلى بكين.
صينياً توّج الإتفاق الذي إنخرطت به مباشرة القيادة الصينية، إنتخاب الرئيس الصيني لولاية ثالثة، وهو الشخصية الأقوى في تاريخ الصين بعد ماو، وربما سيكون في الفترة المقبلة الزعيم الأقوى عالمياً، وقد إنطلق في مسعاه من كون بكين هي الشريك الإقتصادي الأبرز لكلٍ من إيران والسعودية. تستورد الصين الآن نصف وارداتها النفطية من المنطقة، وتحديداً من السعودية وإيران، وهذه الحصة إلى إزدياد مع إرتفاع الطلب الصيني إلى نحو 18 مليون برميل كل طلعة شمس.
وبوضوح فإن الصين العاملة لأن تكون جارة لكل بلدان العالم عبر "الحزم والطريق" هي الدولة الأولى في العالم المعنية بإنهاء النزاع بين الرياض وطهران، فأمن الطاقة بالنسبة لها حياة أو موت لإقتصادها، وأمن الممرات المائية لتدفق الطاقة قضية لا تقبل أي خلل.
حدد الإتفاق الكبير فترة 60 يوماً حتى تستكمل الرياض وطهران الإجراءات لإعادة فتح السفارات والقنصليات..لكن هذه الفترة ستكون بالغة الأهمية على كل المنحى الذي سيسلكه تطبيق الإتفاق والمحك الأبرز له هو في اليمن. والأمر الأكيد أنه إن تحولت الهدنة إلى بحث جدي في إتفاق يرمم الشرعية تكون الأبواب مشرعة لإتفاقات أوسع تشمل المنطقة حيث تنتشر التنظيمات المسلحة الموازية التي أنشأتها إيران في العراق ولبنان على وجه الخصوص! إذن المفتاح اليمني إن فعل هناك سيوفر الإمكانية لبحث حقيقي في كل الأمن الإقليمي، والفترة الزمنية القصيرة قبل إعادة العلاقات الديبلوماسية حاسمة جداً.
يهمنا في لبنان الإعلان الصريح أن الإتفاق تحدث عن "إحترام سيادة الدول وعدم التدخل شؤونها الداخلية". وتحدث عن استعادة الإستقرار لدولنا..هنا لا بد من فتح مزدوجين للإشارة إلى أن كل تصريحات الساسة في لبنان، (كما القادة)، عن الإتفاق، لا محل لها من الإعراب، فبعضهم عوض صب بعض "الماء في نبيذه" حركه التوجس والقلق فذهب لمحاكاة جمهوره، وأحدهم بدأ توضيب الحقائب لشد الرحال إلى الرياض، إن تلقى الدعوة..وإذا كانت كل أطراف ميليشيات "الحشد الشعبي" العراقية قد إمتنعت عن التعليق وآثرت الإنتظار، فإن ما لفت الإنتباه بقوة عندنا أنه يوم 6 أذار، وفي رسالة للبنانيين محورها أن ترشيح حزب الله لفرنجية ليس مسألة للتفاوض، قال نصرالله بالحرف: " من ينتظر تسوية إيرانية سعودية سينتظر طويلاً"! ويوم 9 أذار سارع إلى الإعلان:" نحن سعداء باتفاق إيران والسعودية لمصلحة شعوب المنطقة".. واللافت أنه وهو الذي تحدث عمن سيحك قرعته ويفرك لحيته، قال لمريديه أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية "لن تخلع صاحبها"! فلو كانت لديه هذه الثقة فما الذي إضطره لذلك يا ترى؟
وبعد، ربما يُنصح فرنجية بعدم الإقدام على إعلان ترشحه، لأنه يدرك أن بين أبرز نقاط الضعف التي رافقت الإعلان عن ترشيحه من جانب الآخرين، أنه تم تقديمه كمرشح باسم الثنائي المذهبي، أمل وحزب الله، ليس إلاّ، والأمر ليس في صالحه.. الوضع الجديد شئنا أم أبينا يدفع باتجاه "تسوية" ما بين "معارضة" النظام و"موالاته"، ربما ستقود إلى تحاصص الفريقين في مرشح ثالث، لا يعول عليه بالتأكيد!
ما يدعو إلى الأسف أنه في مرحلة مصيرية يمر بها لبنان، هناك غياب كامل للصوت التغييري! والأكيد الإستعراض ليس رسالة حضور، هناك غياب كامل للموقف المعبر عن شجاعة المواطنين اللبنانيين الذين كانوا على الموعد ومارسوا أكبر تصويت عقابي في تاريخ لبنان وأوصلوا تكتلاً نيابياً لا يستهان بعدده، وحددوا له العنوان: التغيير..لكن أياً كان الوضع، بعد ثورة تشرين ليس كما قبلها، وهذا ليس كلاماً بالهواء، فالتجربة أكدت وجود الإستعداد الشعبي للتأثير المحوري والفاعل في الحدث السياسي، متى توفرت الثقة ومتى توفرت الأدوات الكفاحية. المسؤولية ملقاة بكل ثقلها على النخب التشرينية المطالبة بتسريع بلورة حالة تنظيمية سياسية تعكس نسيج الثورة التي زربت طغاة البلد في منازلهم ولأشهر أخرجتهم من الفضاء العام، ومنحت اللبنانيين الأمل بأن لبنان آخر ما زال ممكناً!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح