في صبيحة اليوم ال1259 على بدء ثورة الكرامة
بات بالإمكان الإطمئنان بأن صاحب الدولة ليس بوارد الإعتكاف، لأن الإجتماع الثلاثي(ميقاتي، السنيورة وسلام) إستبعد هذا الخيار، "إنطلاقاً من المسؤولية الوطنية"، والإقرار الضمني بأن خطأ كبيراً شاب القرار بتجميد العمل بالتوقيت الصيفي بإرادة عطوفة نبيه بري! بعدما تكرس تكراراً أن العشوائية والإرتجال والنفعية في أخذ القرارات لا حدود لها.
لكن مهلاً لقد لفت الإنتباه أن إنعقاد هذا الإجتماع، تزامن مع تسريب صوتي لميقاتي يوم السابع من أذار الحالي، في إجتماع خصص للبحث في وضع المطار وإجراءات السلامة العامة، جأ فيه: "الإبقاء على التوقيتين الصيفي والشتوي، وسيتم إعتباراً من منتصف ليل 25 – 26 الجاري تقديم الساعة ساعة واحدة عملاً ببدء التوقيت الصيفي"! لذا لوحظ أن البيان الصادر عن اللقاء الثلاثي تمنى على دولته "متابعة تصريف أعمال الحكومة، ودعوة مجلس الوزراء في أقرب فرصة ممكنة لإتخاذ القرار المناسب في موضوع التوقيت"! فوجه ميقاتي منتصف الليل الفائت دعوة إلى مجلس الوزراء لينعقد ظهر اليوم ويناقش حصراً مذكرة ميقاتي بشأن تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي والبت بها، سواء لرفضها أو إقرارها!
وعليه، بعد دخول البلد في حرب التوقيت بين إلتزام التوقيت العالمي الطبيعي أو "توقيت بري – ميقاتي"، الذي رفضته الأكثرية لما يرتب من تداعيات، نتيجة توقيتين، وقد برز ذلك مثلاً في المطار فالمغادرة إرتبطت بالتوقيت العالمي والوصول إعتمد ساعة بري- ميقاتي، وفيما كانت كل أجهزة مصرف لبنان مرتبطة بالتوقيت العالمي بدا أن إلتحاق الموظفين سيتم على بدعة بري التي بصم عليها ميقاتي، في توجه مشغول لتحريك فتنة متقنة لتغطية سياسات تعميق الإنهيار وحرف الأنظار عن مسؤولية الفريق المتسلط الممعن في سياسات الإذلال وفرض تلاشي الدولة!
لقد أريد من هذه البدعة تفجير شحن طائفي وصولاً إلى تفجير صراع هويات، من شيء لا أساس له، لكن لا بد من التسليم بأن مصالح الجهات الأبرز في دفع البلد إلى الجحيم إلتقت، وأطلقت كمية من الحقد، إرتباطاً ب"معركة التوقيت"، ولئن إنجر لها بسطاء فقد كشفت المدى الذي بلغه التعصب الطائفي البشع لدى كثير من السياسيين الذين إنتهت صلاحيتهم الوطنية!
لكن يبقى الموجع فعلاً هذه القدرة على دفع الناس إلى وجهات طمس مصالحها والتنكر لوجعها وممارسة أكبر عملية غش لتوفير الحماية لقوى إنعدمت عندها الوطنية والأخلاق. والموجع جداً أن الإصتنفار المفتعل غاب عندما كان مطلوباً لمواجهة قرارات التعسف التي دمرت إقتصاد البلد وحياة الناس وأكملت مخطط السطو على المال العام وسلب المتبقي من الودائع وتعميق نهج القضاء على مستقبل البلد!
مؤلمة معركة التوقيت، نجح من صنّعها في ترسيخ مقولة أن المرض اللبناني عُضال لا شفاء منه، وأنه مكتوب على اللبنانيين العجز عن بلورة جديد آخر يبدد المخاوف على قاعدة ضمان الحقوق التي إنتهكوها. الأمر الذي كان أبرز العناوين التشرينية التي رفعها الناس بعد ثورة "17 تشرين"، لذا هدف ضابط إيقاع منظومة النيترات وتابعه المقيم في الكرسي الثالثة، إلى توجيه رسالة بأن "تشرين" حالة إستثنائية تم تجاوزها، ما يضع الأكثرية الموجوعة أمام حقائق لا تستطيع تجاهلها!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
الكاتب والصحافي حنا صالح