قد يكون النص الاكثر روعة في شرح امراضنا الاجتماعية ، نزار غانم يحبك المشهد بحقيقته ، حملت النص كما هو من على صفحته الفايسبوكية اضعه بين ايديكم لجلد الذات او تغذيتها … 

  منذ أن كنت طفلا كرهت الصالون وما زلت. كنت أفضل القعدة العربية عند جدتي حيث ان المشايخ الدروز حافظوا على المضافة العربية، ببساطتها ودفئها.  أكثر ما كان يزعجني في الصالون هو برودته. كان يولد في شعورا غريبا في الأمعاء أو المعدة فهمت لاحقا في حياتي أن اسمه في السايكولوجيا هو الاستلاب: سحب او قطع لعواطف الانسان عن شيء أو غرض كان يملك تواصلا عاطفيا سابقا معه. متى ترسل الضيف الى "الصالون"، ترسله الى موته المعنوي، غرفة باردة مزركشة، مصنوعة كمساحة ميتة داخل البيت. بالسليقة، كنت أحس أن الصالون غريب عن البيت، منطقة حمراء لا يمكن اللعب فيها، او الاكل، ولا حتى الجلوس. هي منطقة مؤجلة، مهمتها الأولى والأخيرة هي سلبنا من الفرح، والتلقائية لنصبح كلنا مثل البورتريهات الاوروبية المعلقة على الحائط. 

لاحقا عندما زرت قصر طولمة باغجة في استانبول، استوقفني طابعه الاوروبي، وكيف أن القصر بالرغم من رخائه لم يعش فيه العديد من السلاطين الذين فضلوا قصر يلدز. فطولمة باغجة أصبح صالون الامبراطورية واستخدم لاستقبال الشخصيات الاجنبية. ومن سخريات القدر ان كمال أتاتورك، باني تركيا الحديثة مات في القصر نفسه، كرمز لتغريبته الكبرى. في استانبول وفي طولمة باغجة تحديدا فهمت أن صالوناتنا الميتة هي بالمحصلة صورة عن الصالون الأكبر، الاضخم. ويتعامل الاتراك مع صالونهم، بالضبط مثلما نتعامل مع صالوناتنا نحن، كشيء منفصل عنهم، ينظرون اليه من الخارج كصورة مشتهاة. وقد راودتني العديد من الافكار مع اصدقائي الاتراك لمشروع فني كبير، يروي حكاية مئات الاف الصالونات الميتة في هذه البقعة من العالم. 

برأيي الداون تاون لها نفس الوظيفة الاجتماعية للصالون. بقعة استلابية في وسط العاصمة. نرسل السياح اليها، لا للعيش فيها، بل لاخذ صورة سريعة، يشربون القهوة ويغادرون. الداون تاون هي وثيقة عبور من التخلف للحضارة. وهي صندوق للفرجة، صورة مشتهاة عن أنفسنا، فما بالك اذا قام بعض الصبيان باللعب فيها، ببث الحياة بعد الموت؟ هل يفضحون علنا التشضي العنيف لهويتنا، وخجلنا بذواتنا. هل وضعوا اصابعهم الصغيرة على التروما المدينية، ولعبوا بصندوق الفرجة! أعوذ بالله، جففوا البركة، اغلقوا الصالون، واعتقلوا المتجاوزين فالصالون هو الصالون، وأهل البيت في المطبخ!

الكاتب : الناشط السياسي الاستاذ نزار غانم