في لبنان، لا تنفكّ الأزمات تتوالى تباعاً على المواطنين، وكأنها اتّحدت سوّياً لتقودهم الى "جهنّم"، غير آبهة بآلام الناس وجراحهم النازفة، والمتّهم واحد: مافيا من السياسيين يتنازعون علناً، ويتّفقون سراً لحماية مصالحهم. ومع توالي المصائب، تأتي حقوق النساء في آخر سلّم أولويّات الحكومة، الى حدّ انعدام وجودها أحياناً، اذ لم تلتفت الى نوع آخر من الفقر بدأ يجتاح حياة النساء والفتيات في لبنان، ألا وهو "فقر الدورة الشهرية".
دراسات تُنذر بالخطر
يُستخدم مصطلح "فقر الدورة الشهرية" للدلالة على عدم قدرة النساء والفتيات على تأمين المنتجات الصحية التي تحتجنها أثناء فترة الحيض. ويصل الامر في بعض البلدان الفقيرة جداً الى حد عدم وصولهنّ الى مصادر المياه.
تُؤكّد عليا عواضة، مديرة تنفيذية بالشراكة في منظمة Fe-male، أن "فقر الدورة الشهرية" موجود اليوم في لبنان بشكل كبير، وتعبّر عن تخوّفها ممّا تشير اليه الأرقام، اذ يبيّن صندوق الأمم المتحدة للسكان أنه "مع حلول شهر كانون الأول ٢٠٢٠، لن تتمكّن نصف نساء لبنان من الوصول الى مستلزمات الدورة الشهرية".
وفي حين أشار
موقع غلوبال سيتزن إلى أنّ أسعار لوازم الدورة الشهرية في لبنان ارتفعت بنسبة 500% عن سعرها الأساسي، تلفت عواضة الى أن ارتفاع أسعارها يعود لعاملين أساسيّين: الأول ارتفاع أسعار كافّة السلع المستوردة لارتباط الاستيراد بالدولار، وبالتالي ارتفاع أسعار المسلتزمات النسائية كونها مستوردة، فضلاً عن استغلال التجّار للوضع الحالي، مما أوصلها الى أسعار جنونية. والثاني عدم دعم الدولة اللبنانية لهذه الحاجيات ضمن السلع الاساسية التي تمّ دعمها مسبقاً.
تقدّم عواضة مثلاً بسيطاً لعائلة من بين أفرادها امرأة وفتاة:
وتوضّح قائلةً: "تحتاج كل من الامّ والفتاة على حدة الى علبتين من الفوط الصحية على الأقلّ، واذا بلغت العلبة منها سعر 10.000 ل.ل. على أقل تقدير، ستحتاج هذه العائلة الى توفير 40.000 ل.ل. شهرياً دون احتساب المسلتزمات الأخرى كالصابون أو الأدوية المسكنة للآلام، في حين أن الحدّ الأدنى للأجور في لبنان يصل الى 675.000 ل.ل. ومع هذه الازمة الاقتصادية، هناك ربّات منازل يفضّلن شراء الطعام بهذا المبلغ المالي بدل شراء هذه الحاجيات".
تأثيرات سلبية واستخفاف مُعتاد
يؤدي "فقر الدورة الشهرية" لدى النساء الى مشاكل على الصعيدين الجسدي والنفسي، خصوصاً أنهنّ يُجبرن على استخدام بدائل غير صحيّة كالجوارب مثلاً، ويمتنعن من الذهاب الى مدارسهنّ أو أماكن العمل. في هذا السياق، تُشير عواضة الى أن عدم وصول النساء الى هذه المستلزمات سيترتب عليه أمراض تناسلية، في حين أنهن لا يستطعن الذهاب الى الطبيب وشراء الأدوية بسبب الوضع الاقتصادي. فضلاً عن النتائج السلبية على الصعيد النفسي لعدم قدرتهنّ على تأمين ما يحتجن.
الناس عم تموت من الجوع وانتو عم تحكوا بالفوط الصحية؟
تشدّد عواضة على تمسّك المنظمات النسائية والنسوية بالدفاع عن حقّ النساء بالوصول الى حاجاتهنّ الاساسية، رافضةً الاستخفاف الذي يبديه البعض حيال هذا الموضوع بتساؤلهم: "الناس عم تموت من الجوع وانتو عم تحكوا بالفوط الصحية؟"، مبديةً تأسّفها من الوصول الى حدّ المطالبة بالفوط الصحية في لبنان، وتقول: "لا مجال للمساومة لأنّها حاجة اساسية للنساء!".
الحلول مؤقتة!
مع استمرار تفاقم المشكلة، تشير عواضة الى وجود مبادرات فعالة للمنظمات لمساعدة النساء والفتيات، تقوم بتوزيع المتطلبات النسائية على الأرض. منها مبادرة
Dawrati التي تحاول قدر المستطاع أن تصل الى اللواتي يفتقرن الى حاجات الدورة الشهرية. بالاضافة الى منظمات عديدة، منها منظمة Fe-male، التي عملت على توزيع الحاجيات في المناطق المحيطة بانفجار بيروت، وهي الآن بصدد التحضير لخطة تسمح لها بالتوزيع على كافّة الأراضي اللبنانية.
"حلولنا مؤقتة" توضّح عواضة، في اشارة منها الى أن مبادرات المنظمات النسائية لا يمكن أن تستمرّ الى وقت طويل، بينما حاجات النساء "شهرية". وتطالب الدولة بايجاد حلّ فوري اذ "من غير المقبول أن تصبح صحة النساء بخطر"، معتبرةً أن الحلول بسيطة وليست "تعجيزية"، ان كان عبر دعم السلع التي تحتاجها النساء بجهود من وزارة الاقتصاد أو عبر مراقبة الأسعار من قبل حماية المستهلك.
يعزّ على النساء في مجتمعاتنا أن يقف البعض متحجّرين أمام حقوقهنّ التّي من المفترض أن تُدعم "تحصيلاً حاصلاً"، مقابل بلادٍ تتوفّر فيها احتياجات المرأة مجاناً. وفي ضوء الواقع المذكور، لا بد من معالجة احدى اولى الخطوات التي تسمح للمرأة بالمطالبة بحقوقها اليوم، عبر كسر حاجز الخجل من التحدث عن "الدورة الشهرية" وعدم اعتبارها "عيباً" و"عاراً اجتماعياً" يُحرّم طرح المسائل المتعلقة بها، بل يجب الادراك بأنها حالة بيولوجية طبيعية لا تستدعي الحرج أو التزام الصّمت حيالها.
الكاتبة: الصحافية كلارا نبعه